هو سيدنا يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم ( عليه السلام ) وامه كانت تدعى رفقه بنت بتوئيل بن ناحور ، اما عن ناحور فهو اخو سيدنا إبراهيم ( عليه السلام ) ، وجدير بالذكر ان يعقوب ينسب اليه شعب بني اسرائيل.
ويطلق على سيدنا يعقوب اسم اسرائيل وتعني كلمة اسرائيل في اللغة العبرية ( روح الله ) ، وقد حرم يعقوب على نفسه احب الطعام بالنسبه له وهو ( لحم الابل ) واحب الشراب بالنسبه له وهو( البان الابل ) وسبب في ذلك ان سيدنا يعقوب مرض مرضا شديدا فنذر يعقوب نذرا على نفسه لئن شفاه الله من مرضه ليحرمن احب الطعام واحب الشراب الى قلبه .
حياة يعقوب عليه السلام: ولد سيدنا يعقوب في ارض الكنعانيين المعروفه باسم ( مدينة فلسطين ) .وهو بن سيدنا اسحاق عليه السلام الذي ورث منه النبوة والعلم و الصبر و كان ذلك سببا في حقد اخيه عيصو و يسمى ( العيصى ) فخافت ام سيدنا يعقوب عليه من حقد اخيه فامرته ان يسافر الى خاله ( لابان ) بالعراق ويقيم عنده خوفا عليه من حقد اخيه ، و كان خاله لابان عنده ابنتين الكبرى ( ليئة ) والصغرى ( راحيل ) فخطب سيدنا يعقوب من خاله البنت الصغرى ( راحيل ) وكانت تتسم بالجمال الشديد و بالفعل وافق خاله ولكن مقابل ان يخدم لديه سبع سنين يراعي فيها غنمه و وافق يعقوب على طلب خاله و بالفعل انقضت المدة وقام خاله بجمع الناس ليلا وزف اليه ( ليئة ) ابنته الكبرى التي كانت ضعيفة العينين وقبيحة المنظر ، فقال يعقوب لخاله لما غدرت بي ، فقال له خاله ليس من عاداتنا ان نزوج البنت الصغرى قبل الكبرى ، ولكن ان احببت اختها فعلا فعليك ان ترعي لي الغنم سبع سنين اخرى حتى ازوجك ابنتي الصغرى ( راحيل ) و بالفعل فعل يعقوب ذلك وتزوج مما كان يريد وجمع بذلك بين الاختين وكان وقتها ليس محرما في شريعتهم ولكن حرم بعد ذلك في التوراة كما حرم في الشريعة الاسلامية . و وهب ( لابان ) جاريه لكل واحدة من بناته فقد وهب ( الجارية زلفي ) لابنته الكبرى( ليئة ) ، ووهب ( الجارية بلها ) لابنته الصغرى ( راحيل ) فوهبت كل منها جاريتها لسيدنا يعقوب فاصبح لدى يعقوب اربعة نسوة.اولاد سيدنا يعقوب – عليه السلام كان سيدنا يعقوب لديه اثنى عشر من الاولاد ، فقد ولدت له زوجته الاولى ( ليئة ) ستة اولاد ، وجاريتها ( زلفة ) فقد ولدت له ولدين. اما ( راحيل ) زوجته الثانية فقد ولدت له ولدين هما ( سيدنا يوسف عليه السلام – بنيامين ) ، و جاريتها ( بلها ) ولدت له ولدين . ويذكر بعض المؤرخون ان جميع اولاده قد ولدوا في العراق الا بنيامين ولد في فلسطين .عودت يعقوب عليه السلام الى فلسطين عندما اصبح لدى يعقوب الاولاد و كبرت ثروته فكر بالعوده الى فلسطين واختلفت الروايات وتعددت الاقاويل فالبعض يقول انه خرج سرا وذلك بعد ان حسده خاله على كبر حجم ثروته و البعض يقول انه خرج بعلم و بالاتفاق مع خاله ، و قد عاد يعقوب الى فلسطين و معه اولاده و زوجاته ، و اثناء عودته الى فلسطين مرضت رجله و اخبره الاطباء بانه مرض يسمى عرق النسا ومنع الاطباء عنه اكل لحم الابل وعندما راى قوم يعقوب ذلك حرموا على انفسهم اكل لحم الابل اعتقادا منهم ان الله هو من حرم لحم الابل عليهم و لكن هذا غير صحيح .فقدان يعقوب عليه السلام ليوسف كان يوسف احب الابناء على قلب يعقوب و ربما يرجع ذلك الى كونه ابن ( راحيل ) التي كان يحبها كثيرا بالاضافه الى انه كان يرا فيه النبوه و الحلم و العلم و قد لاحظ اولاد يعقوب ذلك لذا غاروا منه واخده يدبروا له مكيدة فاوقعوه في البئر ورجعوا لابيه يعقوب بقميص يوسف و ادعوا ان الذئب اكله فحزن يعقوب حزن شديدا على احب ابنائه الى قلبه.وقفات في حياة سيدنا يعقوب عليه السلام : لم يبتعد يعقوب عن ابويه لولا قسوة و حقد اخيه عيسو ، حيث كان اخيه يرى ان يعقوب احب الى قلب امه لذا كان يكرهه ان تعدد الزوجات لدى يعقوب لم يكن خيرا له بل كان سببا في كل ما معاناته بسبب كيد اولاده لبعضهم لانهم كانوا من اربع زوجات كان احب الزوجات الى قلبه زوجته ( راحيل ) والدة ( سيدنا يوسف عليه السلام و بنيامين ) التي ارادها منذ البدية لولا رفض خاله ان تتزوج ابنته الصغرى قبل الابنه الكبرى. كان احب الابناء الى قلب يعقوب عليه السلام هو ابنه يوسف عليه السلام حيث كان يرى فيه اثر النبوة والحلم والعلم وهذا لم يرضى بقية اخوته لذا كادوا به و افتعلوا قصة الذئب .
هو سيدنا يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم ( عليه السلام ) وامه كانت تدعى رفقه بنت بتوئيل بن ناحور ، اما عن ناحور فهو اخو سيدنا إبراهيم ( عليه السلام ) ، وجدير بالذكر ان يعقوب ينسب اليه شعب بني اسرائيل.
ويطلق على سيدنا يعقوب اسم اسرائيل وتعني كلمة اسرائيل في اللغة العبرية ( روح الله ) ، وقد حرم يعقوب على نفسه احب الطعام بالنسبه له وهو ( لحم الابل ) واحب الشراب بالنسبه له وهو( البان الابل ) وسبب في ذلك ان سيدنا يعقوب مرض مرضا شديدا فنذر يعقوب نذرا على نفسه لئن شفاه الله من مرضه ليحرمن احب الطعام واحب الشراب الى قلبه .
حياة يعقوب عليه السلام: ولد سيدنا يعقوب في ارض الكنعانيين المعروفه باسم ( مدينة فلسطين ) .وهو بن سيدنا اسحاق عليه السلام الذي ورث منه النبوة والعلم و الصبر و كان ذلك سببا في حقد اخيه عيصو و يسمى ( العيصى ) فخافت ام سيدنا يعقوب عليه من حقد اخيه فامرته ان يسافر الى خاله ( لابان ) بالعراق ويقيم عنده خوفا عليه من حقد اخيه ، و كان خاله لابان عنده ابنتين الكبرى ( ليئة ) والصغرى ( راحيل ) فخطب سيدنا يعقوب من خاله البنت الصغرى ( راحيل ) وكانت تتسم بالجمال الشديد و بالفعل وافق خاله ولكن مقابل ان يخدم لديه سبع سنين يراعي فيها غنمه و وافق يعقوب على طلب خاله و بالفعل انقضت المدة وقام خاله بجمع الناس ليلا وزف اليه ( ليئة ) ابنته الكبرى التي كانت ضعيفة العينين وقبيحة المنظر ، فقال يعقوب لخاله لما غدرت بي ، فقال له خاله ليس من عاداتنا ان نزوج البنت الصغرى قبل الكبرى ، ولكن ان احببت اختها فعلا فعليك ان ترعي لي الغنم سبع سنين اخرى حتى ازوجك ابنتي الصغرى ( راحيل ) و بالفعل فعل يعقوب ذلك وتزوج مما كان يريد وجمع بذلك بين الاختين وكان وقتها ليس محرما في شريعتهم ولكن حرم بعد ذلك في التوراة كما حرم في الشريعة الاسلامية . و وهب ( لابان ) جاريه لكل واحدة من بناته فقد وهب ( الجارية زلفي ) لابنته الكبرى( ليئة ) ، ووهب ( الجارية بلها ) لابنته الصغرى ( راحيل ) فوهبت كل منها جاريتها لسيدنا يعقوب فاصبح لدى يعقوب اربعة نسوة.اولاد سيدنا يعقوب – عليه السلام كان سيدنا يعقوب لديه اثنى عشر من الاولاد ، فقد ولدت له زوجته الاولى ( ليئة ) ستة اولاد ، وجاريتها ( زلفة ) فقد ولدت له ولدين. اما ( راحيل ) زوجته الثانية فقد ولدت له ولدين هما ( سيدنا يوسف عليه السلام – بنيامين ) ، و جاريتها ( بلها ) ولدت له ولدين . ويذكر بعض المؤرخون ان جميع اولاده قد ولدوا في العراق الا بنيامين ولد في فلسطين .عودت يعقوب عليه السلام الى فلسطين عندما اصبح لدى يعقوب الاولاد و كبرت ثروته فكر بالعوده الى فلسطين واختلفت الروايات وتعددت الاقاويل فالبعض يقول انه خرج سرا وذلك بعد ان حسده خاله على كبر حجم ثروته و البعض يقول انه خرج بعلم و بالاتفاق مع خاله ، و قد عاد يعقوب الى فلسطين و معه اولاده و زوجاته ، و اثناء عودته الى فلسطين مرضت رجله و اخبره الاطباء بانه مرض يسمى عرق النسا ومنع الاطباء عنه اكل لحم الابل وعندما راى قوم يعقوب ذلك حرموا على انفسهم اكل لحم الابل اعتقادا منهم ان الله هو من حرم لحم الابل عليهم و لكن هذا غير صحيح .فقدان يعقوب عليه السلام ليوسف كان يوسف احب الابناء على قلب يعقوب و ربما يرجع ذلك الى كونه ابن ( راحيل ) التي كان يحبها كثيرا بالاضافه الى انه كان يرا فيه النبوه و الحلم و العلم و قد لاحظ اولاد يعقوب ذلك لذا غاروا منه واخده يدبروا له مكيدة فاوقعوه في البئر ورجعوا لابيه يعقوب بقميص يوسف و ادعوا ان الذئب اكله فحزن يعقوب حزن شديدا على احب ابنائه الى قلبه.وقفات في حياة سيدنا يعقوب عليه السلام : لم يبتعد يعقوب عن ابويه لولا قسوة و حقد اخيه عيسو ، حيث كان اخيه يرى ان يعقوب احب الى قلب امه لذا كان يكرهه ان تعدد الزوجات لدى يعقوب لم يكن خيرا له بل كان سببا في كل ما معاناته بسبب كيد اولاده لبعضهم لانهم كانوا من اربع زوجات كان احب الزوجات الى قلبه زوجته ( راحيل ) والدة ( سيدنا يوسف عليه السلام و بنيامين ) التي ارادها منذ البدية لولا رفض خاله ان تتزوج ابنته الصغرى قبل الابنه الكبرى. كان احب الابناء الى قلب يعقوب عليه السلام هو ابنه يوسف عليه السلام حيث كان يرى فيه اثر النبوة والحلم والعلم وهذا لم يرضى بقية اخوته لذا كادوا به و افتعلوا قصة الذئب .
0
التعليقات:
سيدنا زكريا عليه السلام هو أحد الأنبياء والمرسلين الذي بعثهم الله عز وجل على عباده حتى يخرجوهم من ظلمات المعاصي والشرك الى نور الطاعة والتوحيد ، وينتهي نسب سيدنا زكريا عليه السلام الى يعقوب بن اسحاق عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم وقد عرف من خلال كتاب الله تبارك وتعالى ان عهد سيدنا زكريا عليه السلام كان قريبا جدا من عهد سيدنا عيسى عليه السلام
بدأت قصة سيدنا زكريا عليه السلام عندما تقدم في السن وملأ الشيب شعره وكذلك زوجه ولم تكن قد ولدت له ولدا تقر به عينه ويرثه بعد مماته وقد كان أقرابئه من بني عمومته أشرار فجار لم يكونو ليلتزموا في الشريعة الا من خلال وازع ورادع يردعهم ولو خلوا بينهم وبين نفوسهم التي تحمل الشر الكبير فانهم سوف يقومون بمحو الشريعة ونشر الفساد والفتن ويقومون بتغير معالم الكتاب ،
وقد نزل كتاب الله تبارك وتعالى معبرا عن حال زكريا عليه السلام وذلك بقوله على لسان زكريا عليه أفضل الصلوات واتم التسليم : ( قال ربي اني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك ربي شقيا * واني خفت الموالي من ورائي فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا ) وقد قيل أن زكريا عليه السلام كان خائفا من قومه أن يغيروا ويبدلوا من بعده فيقومون بانتهاك محارم الله عز وجل ولذلك حرص على الدعاء والتوسل الى الله تبارك وتعالى من أجل أن يرزقه الله بغلام يحمل راية النبوة والتوحيد من بعده ،بقيت هذه الخاطرة تسيطر على تفكير زكريا عليه السلام وتأرقه بشدة ليلا ونهارا الى أن قام ذات يوم بالذهاب الى معبد كي يتعبد ويتقرب فيه الى الله عز وجل فيه ، فعندما قام بالدخول على مريم عليها السلام وجدها في ذلك الوقت رابضة في محرابها ، وغارقة في تفكيرها ووجد عندها مالم يعتد على رأيته حيث أنه كان قد رأى عنده من فاكهة الصيف بينما كان ذلك الوقت وقت الشتاء فقام زكريا عليه السلام بسؤالها فورا من أين لك ذلك عندما أجابت أنه من عند الله فتوجه سيدنا زكريا عليه السلام الى ربه مصليا وداعيا وراجيا له عندما غاص عليه السلام في هذا التأمل وهذه الحالة التي لم يدركها جيدا قبل ذلك فخشع قلبه وانطلق لسانه قائلا : ( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء ) فكان من الله تبارك وتعالى وبعد أن رأى خشوعه وتوجهه الصادق نحوه أن بعث له الملائكة مبشرين له أن الله تبارك وتعالى سيرزقه بغلام لم يجعل له من قبل سميا ، وكان أن رزقه الله تارك وتعالى يحي عليه السلام وأورثه النبوة من بعد أباه
سيدنا زكريا عليه السلام هو أحد الأنبياء والمرسلين الذي بعثهم الله عز وجل على عباده حتى يخرجوهم من ظلمات المعاصي والشرك الى نور الطاعة والتوحيد ، وينتهي نسب سيدنا زكريا عليه السلام الى يعقوب بن اسحاق عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم وقد عرف من خلال كتاب الله تبارك وتعالى ان عهد سيدنا زكريا عليه السلام كان قريبا جدا من عهد سيدنا عيسى عليه السلام
بدأت قصة سيدنا زكريا عليه السلام عندما تقدم في السن وملأ الشيب شعره وكذلك زوجه ولم تكن قد ولدت له ولدا تقر به عينه ويرثه بعد مماته وقد كان أقرابئه من بني عمومته أشرار فجار لم يكونو ليلتزموا في الشريعة الا من خلال وازع ورادع يردعهم ولو خلوا بينهم وبين نفوسهم التي تحمل الشر الكبير فانهم سوف يقومون بمحو الشريعة ونشر الفساد والفتن ويقومون بتغير معالم الكتاب ،
وقد نزل كتاب الله تبارك وتعالى معبرا عن حال زكريا عليه السلام وذلك بقوله على لسان زكريا عليه أفضل الصلوات واتم التسليم : ( قال ربي اني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك ربي شقيا * واني خفت الموالي من ورائي فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا ) وقد قيل أن زكريا عليه السلام كان خائفا من قومه أن يغيروا ويبدلوا من بعده فيقومون بانتهاك محارم الله عز وجل ولذلك حرص على الدعاء والتوسل الى الله تبارك وتعالى من أجل أن يرزقه الله بغلام يحمل راية النبوة والتوحيد من بعده ،بقيت هذه الخاطرة تسيطر على تفكير زكريا عليه السلام وتأرقه بشدة ليلا ونهارا الى أن قام ذات يوم بالذهاب الى معبد كي يتعبد ويتقرب فيه الى الله عز وجل فيه ، فعندما قام بالدخول على مريم عليها السلام وجدها في ذلك الوقت رابضة في محرابها ، وغارقة في تفكيرها ووجد عندها مالم يعتد على رأيته حيث أنه كان قد رأى عنده من فاكهة الصيف بينما كان ذلك الوقت وقت الشتاء فقام زكريا عليه السلام بسؤالها فورا من أين لك ذلك عندما أجابت أنه من عند الله فتوجه سيدنا زكريا عليه السلام الى ربه مصليا وداعيا وراجيا له عندما غاص عليه السلام في هذا التأمل وهذه الحالة التي لم يدركها جيدا قبل ذلك فخشع قلبه وانطلق لسانه قائلا : ( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء ) فكان من الله تبارك وتعالى وبعد أن رأى خشوعه وتوجهه الصادق نحوه أن بعث له الملائكة مبشرين له أن الله تبارك وتعالى سيرزقه بغلام لم يجعل له من قبل سميا ، وكان أن رزقه الله تارك وتعالى يحي عليه السلام وأورثه النبوة من بعد أباه
0
التعليقات:
إنه عبد من عباد الله الصالحين اسطفاه الله سبحانه وتعالى علي عباده فأصبح نبي الله فكلنا نسمع عن صبر أيوب فتعالوا بنا نعرف لماذا أطلق هذا اللقب العظيم عليه ، إنه أيوب نبي الله ذكرت قصته في سورة الأنبياء وسورة (ص ) .
ففي سورة الأنبياء فيقول الله تعالى (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) .
يرجع نسب نبي الله أيوب إلى إسحاق بن إبراهيم عليه السلام قبل أكثر من 2500 سنة ، عاش في أرض حواران وهو من ذرية سيدنا يوسف عليه السلام إنه سيدنا أيوب عليه السلام ، فكان رجلاً طيبا تزوج من فتاه تدعى ( رحمة ) عاش الزوجين في سعادة وهناء و ذلك بسبب إيمانهم بالله ورسله فقد أنعم الله عليهم ورزقهم بالأولاد والبنات وكانت عنده أرض وحديقة واسعة مليئة بالحقول والمراعي وكان يرعى فيها الأغنام والأبقار والماعز وكان يعبد الله سبحانه وتعالى لا يشرك به شيئاً ، فنشأ على دين آبائه ابراهيم واسحاق ويعقوب ، وذات يوم هبطت إليه الملائكة وبشرته بالنبوة ، وسجدا لله شاكراً على هذه النعمة العظيمة وأنعم الله عليه أيضاً بحب الناس إليه فأحبه الناس فقد كان عنده المال والأولاد والمنزل الواسع وفيه الطعام والخير الكثير وكان يحب الفقراء يطعهم ويكسوهم وكان لا يأكل طعاماً إلا وعلى مائدته يتيم أو بائس أو فقير فالناس الفقراء كان يقصدون منزله من مناطق بعيدة لما سمعه عنه من كرمه وكانون يرجعون إلى ديارهم وهم يحملون الطعام والكساء والفرح لأطفالهم وأهلهم .
ذات يوم جاء شيخ كبير في السن إلى منزل أيوب قائلاً : السلام على أيوب نبي الله فرد عليه وعليك السلام ورحمة الله تفضل أنت في بيتك وأهلك وقال له الشيخ الكبير : أنا كما ترى شيخ عاجز وعندي أبناء جياع فتألم سيدنا أيوب وقال : أظنك غريباً أيها الشيخ ؟ لا يا نبي الله ، أنا من بلاد حوران وتألم سيدنا أيوب أكثر وقال ما أقساني ، بيتي مليء بالطعام وأنت جائع ؟ وقال الشيخ : إنه ذنبي أنا ، لم أعرض حاجتي عليك من قبل فقال أيوب : الحق علي أنا لأنني لم أبحث عنك بنفسي التفت أيوب إلي أبنائه وقال : ألا تخافون من غضب الله ؟ كيف ترضون لأنفسكم أن تبيتوا شباعاً وفي حوران أطفال وشيوخ جياع ؟ الأبناء اعتذروا وقالوا : لقد بحثنا كثيراً ولكننا لم نجد أحداً في حوران محتاجاً فقال الأب بألم : وهذا الشيخ ؟ عفواً يا أبانا فرد عليهم نبي الله وقال هيا احملوا من الطعام والكساء وأوصلوه إلى منزله سمعاً وطاعة للنبي هكذا كان يعيش سيدنا أيوب ، في ذلك البيت المبني من الصخور هو يتفقد العمل في الحقول والمزارع ، وزوجته تطحن ومعها بناتها وجواريها يساعدونها ، والشيطان لم يترك سيدنا أيوب يعيش في هذه السعاده حسد سيدنا أيوب فكان يريد له الشر والضلال لهذا راح يوسوس للناس ، يقول لهم : إن أيوب يعبد الله لأنه يخاف على أمواله وحقوله أن يأخذها منه ، لو كان أيوب فقيراً ما عبد الله ولا سجد له ، وسمع الناس إلى وساس الشيطان اللعين وصدقوه وتغيرت وجهة نظرهم على أيوب : إنه يعبد الله لأن الله أنعم عليه ورزقه وهو يخاف أن يسلبه نعمته ، وظنوا بذلك أن أيوب لو حلت به مصيبة لترك العبادة ، لو أحرقت الصواعق حقوله لغضب ، لو سلبه الله نعمته عليه لما سجد له شاكراً .
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يظهر للناس كذب الشيطان ، أراد أن يظهر صدق أيوب وصبره وإيمانه فمن هنا بدأت المحنه ، وبدأت تحل بأيوب المصائب الواحدة بعد الأخرى لنرى مدى إيمان سيدنا أيوب وصبره ، فكل شىء كان يمشي على ما يرام أيوب كان ساجداً لله يشكره على نعمه ، وأبناؤه كانوا يحملون الطعام ويبحثون عن فقير أو مسكين ورجل مسافر انقطعت به السبل ، والخدم كانوا يعملون في الأرض ويحملون حبوب القمح إلى المخازن .
فكان الشيطان يريد أن يدمر إيمان أيوب فأحلت به أول مصيبة أحد الرعاة وهتف أين نبي الله أيوب ؟ ماذا حصل ؟ تكلم لقد قتلوهم قتلو جميع رفاقي الرعاة والفلاحين جميعهم قتلوا جرت دماؤهم فوق الأرض ماذا هاجمنا الأشرار واختطفوا قطعان الماشية ، أخذوا أبقارنا وخرافنا وذهبوا الجبل لا يهتز أمام العاصفة … سيدنا أيوب تألم ولكنه تحمل قال بثبات ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) .
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يمتحن أيوب، يمتحن إيمانه برب العالمين ، هل سيصبر أم سيكفر ؟
فاراد الله سبحانه وتعالى ان يمتحن صبره على الطاعة والإيمان ونزل به البلاء وأحرقت الحقول والمزارع وقالت زوجته له : إن مصائب العالم ستنزل علينا قال سيدنا أيوب ( اصبري يا رحمة هذه مشيئة الله ) ونظر أيوب إلى السماء وقال إلهي : امنحني الصبر فصبر أيوب على هذه المحنه ، وبعد ذلك امتحنه الله امتحان أصعب من الإمتحان السابق فمات جميع أولاده وبناته لم يبقى سوى رحمة زوجته الطيبة فصبر
وبعد ذلك امتحن الله امتحان أصعب وأصعب فابتلاه الله في جسده أصيب بالمرض وتقرح جلده وزاد ابتعاد الناس عنه خوفاً من العدوي وأصبح منزله خالياً ليس فيه ولد واحد من أولاده وهو شيخ مسن وزوجته أصبحت تبكي وجاء الشيطان يوسوس إليه وقال له : يالها من مصيبة كبرى سبعة بنين وثلاث بنات في لحظة واحدة ماتوا ولم ينصت له أيوب وصبر على هذه المصيبة .
فنظر أيوب إلى السماء وقال يارب امنحني الصبر ، وذهب الشيطان إلى أهل القرية وقال لهم إن الله قد غضب على أيوب فصب عليه بالبلاء وقال لهم الشيطان لقد أذنب أيوب ذنباً كبيراً وأحلت به اللعنه ومن الأفضل أن تخرجوه من قريتكم وذهب أهل القري إلى سيدنا أيوب وقالوا له أن بقائه أصبح خطر عليهم ومن الأفضل أن تخرج من القرية لكي لا تحل اللعنة علينا وان اللعنة قد حلت بك ونخاف ان تحل علينا فغضبت زوجته من هذا الكلام وقالت لهم انه نبي الله ولا يحق لكم أن تخرجوه من القرية ورد عليهم نبي الله وقال : أنه امتحان من الله سبحانه وتعالى وقد امتحن كثير من الأنبياء قبلي وردو عليه ظناً منهم وقالوا : إنك عصيت الله فغضب عليك وقالت زوجته : هل نسيتم إحسانه وكرمه عليكم ونظر نبي الله إلى السماء وقال ( يا إلهي أن كانت هذه مشيئتك فسأخرج من القرية وأسكن في الصحراء يا ربي سامح أهل القرية على جهلهم ) سبحانك يا الله بعد ما أراد أهل القرية أن يطردوه دعا لهم الله ان يسامحهم إنها أخلاق الأنبياء وفعلا نفذو ما أردوه وأخرجو سيدنا أيوب من قريته ولم يبقى معه سوى زوجته الوفيه المخلصه لم تتركه وحيداً بل ذهبت للعمل في المنازل لتوفر لها ولزوجها لقمة العيش بعد أن ذهبوا للعيش في الصحراء وكان سيدنا أيوب صابراً على الألم والمرض وأصبح لا يستطيع أن يتحرك من مكانه وذات يوم تأخرت زوجته عن العودة بعد ما ذهبت للبحث عن العمل وأغلقوا الأبواب في وجهها فاضطرت أن تقص ضفيرتيها لتبيعها مقابل رغيفين من الخبز وعندما عادت إلى المنزل ورأى أيوب ما فعلته بنفسها غضب كثيراً وحلف أن يضربها ولكنه لم يستطع ولم يأكل العيش فبكت زوجته كثيراً ولم تعد تتحمل هذه الحياة الصعبة وشماتة الناس بهم فقالت له زوجته إنك نبي الله يا أيوب إدعي الله لينقذنا من هذه المحنه فرد عليه أيوب وقال : لقد عشت سنوات طويله في عز وهناء أمتلك الأراضي والمزارع والحقول والمال والأولاد أفلا أصبر على حياة الفقر فقالت له زوجته أنا أتحمل الصبر ولكنني لا أتحمل شماتة الأعداء بنا ، وأصبح أيوب صابراً على الجوع والألم وأخذ يعبد الله ويشكره ولم يمل أبداً ويرضى بقضاء الله عليه ولكن أصبح الأعداء يشمتون فيه كل يوم عن الأخر ويقولون له ان الله سبحانه وتعالى غضب عليك فدعا أيوب ربه ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }} الآنبياء 83 – 84
بعد هذه الدعوة استجاب الله سبحانه وتعالى لنبيه أيوب فأضاء المكان بنور جميل ، وامتلأ الفضاء برائحة طيبة ، ورأى أيوب ملاكا يهبط من السماء ويقول له:
السلام على أيوب نبي الله ، نعم العبد أنه صابر و أواب ، إن الله يقرئك السلام ويقول: لقدأجيب دعودتك ، وإنما يوفى الصابرين أجرهم بغير حساب أضرب برجلك الأرض يا أيوب! واغسل جسدك في النبع المقدس .
ذهب الملاك ، وشعر أيوب بالنور يضىء في قلبه ، فضرب برجله الأرض ، فجأة انبثق نبع بارد طيب المذاق ، شرب أيوب من الماء الطاهر، وتدفقت دماء العافية في وجهه .
وعادت إليه العافية و القوة ، فأصبح إنسان جديد أقوى مما كان عليه قبل أيام الجوع والمرض واغتسلت أيضاً زوجته من النبع فإذا بها تحولت إلى شابه ورجعت لها عافيتها وسقي الأرض من مياه النبع فإذا بها تعود وتزدهر وتنبت بالأعشاب والنباتات وبعد ذلك راحت المياه لتروي قبور أولاد سيدنا أيوب الذين ماتو فعادوا إلى الحياة مرة أخرى وعاد كل شيء كما كان من قبل سبع سنوات .
هكذا هي قصة صبر أيوب التي يجب أن نأخذها عبرة في حياتنا ونتذكرها في كل الأمور الصعبة في حياتنا لنتعلم معني الصبر على المرض والصبر على المصائب والصبر أيضاً على فقدان أغلى الأحباب فهكذا هي أخلاق الأنبياء التي يجب علينا أن نتحلى بها في أخلاقنا وفي كل أمور حياتنا نعم هذا العبد العظيم من عباد الله على صبره وقوة تحمله يارب إجعلنا من الصابرين الشاكرين الساجدين له شكراً وحمداً على نعمك العظيمة .
إنه عبد من عباد الله الصالحين اسطفاه الله سبحانه وتعالى علي عباده فأصبح نبي الله فكلنا نسمع عن صبر أيوب فتعالوا بنا نعرف لماذا أطلق هذا اللقب العظيم عليه ، إنه أيوب نبي الله ذكرت قصته في سورة الأنبياء وسورة (ص ) .
ففي سورة الأنبياء فيقول الله تعالى (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) .
يرجع نسب نبي الله أيوب إلى إسحاق بن إبراهيم عليه السلام قبل أكثر من 2500 سنة ، عاش في أرض حواران وهو من ذرية سيدنا يوسف عليه السلام إنه سيدنا أيوب عليه السلام ، فكان رجلاً طيبا تزوج من فتاه تدعى ( رحمة ) عاش الزوجين في سعادة وهناء و ذلك بسبب إيمانهم بالله ورسله فقد أنعم الله عليهم ورزقهم بالأولاد والبنات وكانت عنده أرض وحديقة واسعة مليئة بالحقول والمراعي وكان يرعى فيها الأغنام والأبقار والماعز وكان يعبد الله سبحانه وتعالى لا يشرك به شيئاً ، فنشأ على دين آبائه ابراهيم واسحاق ويعقوب ، وذات يوم هبطت إليه الملائكة وبشرته بالنبوة ، وسجدا لله شاكراً على هذه النعمة العظيمة وأنعم الله عليه أيضاً بحب الناس إليه فأحبه الناس فقد كان عنده المال والأولاد والمنزل الواسع وفيه الطعام والخير الكثير وكان يحب الفقراء يطعهم ويكسوهم وكان لا يأكل طعاماً إلا وعلى مائدته يتيم أو بائس أو فقير فالناس الفقراء كان يقصدون منزله من مناطق بعيدة لما سمعه عنه من كرمه وكانون يرجعون إلى ديارهم وهم يحملون الطعام والكساء والفرح لأطفالهم وأهلهم .
ذات يوم جاء شيخ كبير في السن إلى منزل أيوب قائلاً : السلام على أيوب نبي الله فرد عليه وعليك السلام ورحمة الله تفضل أنت في بيتك وأهلك وقال له الشيخ الكبير : أنا كما ترى شيخ عاجز وعندي أبناء جياع فتألم سيدنا أيوب وقال : أظنك غريباً أيها الشيخ ؟ لا يا نبي الله ، أنا من بلاد حوران وتألم سيدنا أيوب أكثر وقال ما أقساني ، بيتي مليء بالطعام وأنت جائع ؟ وقال الشيخ : إنه ذنبي أنا ، لم أعرض حاجتي عليك من قبل فقال أيوب : الحق علي أنا لأنني لم أبحث عنك بنفسي التفت أيوب إلي أبنائه وقال : ألا تخافون من غضب الله ؟ كيف ترضون لأنفسكم أن تبيتوا شباعاً وفي حوران أطفال وشيوخ جياع ؟ الأبناء اعتذروا وقالوا : لقد بحثنا كثيراً ولكننا لم نجد أحداً في حوران محتاجاً فقال الأب بألم : وهذا الشيخ ؟ عفواً يا أبانا فرد عليهم نبي الله وقال هيا احملوا من الطعام والكساء وأوصلوه إلى منزله سمعاً وطاعة للنبي هكذا كان يعيش سيدنا أيوب ، في ذلك البيت المبني من الصخور هو يتفقد العمل في الحقول والمزارع ، وزوجته تطحن ومعها بناتها وجواريها يساعدونها ، والشيطان لم يترك سيدنا أيوب يعيش في هذه السعاده حسد سيدنا أيوب فكان يريد له الشر والضلال لهذا راح يوسوس للناس ، يقول لهم : إن أيوب يعبد الله لأنه يخاف على أمواله وحقوله أن يأخذها منه ، لو كان أيوب فقيراً ما عبد الله ولا سجد له ، وسمع الناس إلى وساس الشيطان اللعين وصدقوه وتغيرت وجهة نظرهم على أيوب : إنه يعبد الله لأن الله أنعم عليه ورزقه وهو يخاف أن يسلبه نعمته ، وظنوا بذلك أن أيوب لو حلت به مصيبة لترك العبادة ، لو أحرقت الصواعق حقوله لغضب ، لو سلبه الله نعمته عليه لما سجد له شاكراً .
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يظهر للناس كذب الشيطان ، أراد أن يظهر صدق أيوب وصبره وإيمانه فمن هنا بدأت المحنه ، وبدأت تحل بأيوب المصائب الواحدة بعد الأخرى لنرى مدى إيمان سيدنا أيوب وصبره ، فكل شىء كان يمشي على ما يرام أيوب كان ساجداً لله يشكره على نعمه ، وأبناؤه كانوا يحملون الطعام ويبحثون عن فقير أو مسكين ورجل مسافر انقطعت به السبل ، والخدم كانوا يعملون في الأرض ويحملون حبوب القمح إلى المخازن .
فكان الشيطان يريد أن يدمر إيمان أيوب فأحلت به أول مصيبة أحد الرعاة وهتف أين نبي الله أيوب ؟ ماذا حصل ؟ تكلم لقد قتلوهم قتلو جميع رفاقي الرعاة والفلاحين جميعهم قتلوا جرت دماؤهم فوق الأرض ماذا هاجمنا الأشرار واختطفوا قطعان الماشية ، أخذوا أبقارنا وخرافنا وذهبوا الجبل لا يهتز أمام العاصفة … سيدنا أيوب تألم ولكنه تحمل قال بثبات ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) .
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يمتحن أيوب، يمتحن إيمانه برب العالمين ، هل سيصبر أم سيكفر ؟
فاراد الله سبحانه وتعالى ان يمتحن صبره على الطاعة والإيمان ونزل به البلاء وأحرقت الحقول والمزارع وقالت زوجته له : إن مصائب العالم ستنزل علينا قال سيدنا أيوب ( اصبري يا رحمة هذه مشيئة الله ) ونظر أيوب إلى السماء وقال إلهي : امنحني الصبر فصبر أيوب على هذه المحنه ، وبعد ذلك امتحنه الله امتحان أصعب من الإمتحان السابق فمات جميع أولاده وبناته لم يبقى سوى رحمة زوجته الطيبة فصبر
وبعد ذلك امتحن الله امتحان أصعب وأصعب فابتلاه الله في جسده أصيب بالمرض وتقرح جلده وزاد ابتعاد الناس عنه خوفاً من العدوي وأصبح منزله خالياً ليس فيه ولد واحد من أولاده وهو شيخ مسن وزوجته أصبحت تبكي وجاء الشيطان يوسوس إليه وقال له : يالها من مصيبة كبرى سبعة بنين وثلاث بنات في لحظة واحدة ماتوا ولم ينصت له أيوب وصبر على هذه المصيبة .
فنظر أيوب إلى السماء وقال يارب امنحني الصبر ، وذهب الشيطان إلى أهل القرية وقال لهم إن الله قد غضب على أيوب فصب عليه بالبلاء وقال لهم الشيطان لقد أذنب أيوب ذنباً كبيراً وأحلت به اللعنه ومن الأفضل أن تخرجوه من قريتكم وذهب أهل القري إلى سيدنا أيوب وقالوا له أن بقائه أصبح خطر عليهم ومن الأفضل أن تخرج من القرية لكي لا تحل اللعنة علينا وان اللعنة قد حلت بك ونخاف ان تحل علينا فغضبت زوجته من هذا الكلام وقالت لهم انه نبي الله ولا يحق لكم أن تخرجوه من القرية ورد عليهم نبي الله وقال : أنه امتحان من الله سبحانه وتعالى وقد امتحن كثير من الأنبياء قبلي وردو عليه ظناً منهم وقالوا : إنك عصيت الله فغضب عليك وقالت زوجته : هل نسيتم إحسانه وكرمه عليكم ونظر نبي الله إلى السماء وقال ( يا إلهي أن كانت هذه مشيئتك فسأخرج من القرية وأسكن في الصحراء يا ربي سامح أهل القرية على جهلهم ) سبحانك يا الله بعد ما أراد أهل القرية أن يطردوه دعا لهم الله ان يسامحهم إنها أخلاق الأنبياء وفعلا نفذو ما أردوه وأخرجو سيدنا أيوب من قريته ولم يبقى معه سوى زوجته الوفيه المخلصه لم تتركه وحيداً بل ذهبت للعمل في المنازل لتوفر لها ولزوجها لقمة العيش بعد أن ذهبوا للعيش في الصحراء وكان سيدنا أيوب صابراً على الألم والمرض وأصبح لا يستطيع أن يتحرك من مكانه وذات يوم تأخرت زوجته عن العودة بعد ما ذهبت للبحث عن العمل وأغلقوا الأبواب في وجهها فاضطرت أن تقص ضفيرتيها لتبيعها مقابل رغيفين من الخبز وعندما عادت إلى المنزل ورأى أيوب ما فعلته بنفسها غضب كثيراً وحلف أن يضربها ولكنه لم يستطع ولم يأكل العيش فبكت زوجته كثيراً ولم تعد تتحمل هذه الحياة الصعبة وشماتة الناس بهم فقالت له زوجته إنك نبي الله يا أيوب إدعي الله لينقذنا من هذه المحنه فرد عليه أيوب وقال : لقد عشت سنوات طويله في عز وهناء أمتلك الأراضي والمزارع والحقول والمال والأولاد أفلا أصبر على حياة الفقر فقالت له زوجته أنا أتحمل الصبر ولكنني لا أتحمل شماتة الأعداء بنا ، وأصبح أيوب صابراً على الجوع والألم وأخذ يعبد الله ويشكره ولم يمل أبداً ويرضى بقضاء الله عليه ولكن أصبح الأعداء يشمتون فيه كل يوم عن الأخر ويقولون له ان الله سبحانه وتعالى غضب عليك فدعا أيوب ربه ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }} الآنبياء 83 – 84
بعد هذه الدعوة استجاب الله سبحانه وتعالى لنبيه أيوب فأضاء المكان بنور جميل ، وامتلأ الفضاء برائحة طيبة ، ورأى أيوب ملاكا يهبط من السماء ويقول له:
السلام على أيوب نبي الله ، نعم العبد أنه صابر و أواب ، إن الله يقرئك السلام ويقول: لقدأجيب دعودتك ، وإنما يوفى الصابرين أجرهم بغير حساب أضرب برجلك الأرض يا أيوب! واغسل جسدك في النبع المقدس .
ذهب الملاك ، وشعر أيوب بالنور يضىء في قلبه ، فضرب برجله الأرض ، فجأة انبثق نبع بارد طيب المذاق ، شرب أيوب من الماء الطاهر، وتدفقت دماء العافية في وجهه .
وعادت إليه العافية و القوة ، فأصبح إنسان جديد أقوى مما كان عليه قبل أيام الجوع والمرض واغتسلت أيضاً زوجته من النبع فإذا بها تحولت إلى شابه ورجعت لها عافيتها وسقي الأرض من مياه النبع فإذا بها تعود وتزدهر وتنبت بالأعشاب والنباتات وبعد ذلك راحت المياه لتروي قبور أولاد سيدنا أيوب الذين ماتو فعادوا إلى الحياة مرة أخرى وعاد كل شيء كما كان من قبل سبع سنوات .
هكذا هي قصة صبر أيوب التي يجب أن نأخذها عبرة في حياتنا ونتذكرها في كل الأمور الصعبة في حياتنا لنتعلم معني الصبر على المرض والصبر على المصائب والصبر أيضاً على فقدان أغلى الأحباب فهكذا هي أخلاق الأنبياء التي يجب علينا أن نتحلى بها في أخلاقنا وفي كل أمور حياتنا نعم هذا العبد العظيم من عباد الله على صبره وقوة تحمله يارب إجعلنا من الصابرين الشاكرين الساجدين له شكراً وحمداً على نعمك العظيمة .
0
التعليقات:
ورد ذكر القصة في مواضع عدة فى سور الأعراف - هود - الحجر - النمل - السجدة -إبراهيم - الاسراء - القمر - براءة -الفرقان - سورة ص - سورة ق - النجم - والفجر - الشعراء ....
القصة:
في سنة 9 من الهجرة كان الجيش الاسلامي بقيادة سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) يواصل زحفه باتجاه منطقة تبوك ، و ذلك لمواجهة حشود الرومان العسكرية في شمال شبه الجزيرة العربية .
كانت الرحلة شاقّة جداً . . و كان جنود الاسلام يشعرون بالتعب و الظمأ . . من أجل هذا أمر سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) بالتوقف في " وادي القرى " قريباً من منطقة تبوك .
عسكر الجيش الاسلامي قرب الجبال و كانت هناك منطقة أثرية و خرائب و آبار للمياه .
تساءل البعض عن هذه الآثار ، فقيل انها تعود إلى قبيلة ثمود التي كانت تقطن في هذا المكان .
نهى سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) المسلمين من شرب مياه تلك الآبار و دلاّهم على عين قرب الجبال . . وقال لهم أنها العين التي كانت ناقة صالح تشرب منها .
حذر سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) جنوده من دخول تلك الآثار الا للاعتبار من مصير تلك القبيلة التي حلّت بها اللعنة فاصبحت أثراً بعد عين .
فمن هي قبيلة ثمود ؟ و ما هي قصة ناقة سيدنا صالح ( عليه السلام ) ؟
قبيلة مشهورة، يقال لهم ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عاثر بن ارم بن سام بن نوح.
وكانوا عرباً من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك وقد مرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين.
وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك.
فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو عبد الله ورسوله: صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن ارم بن نوح فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد ولا يشركوا به شيئاً. فآمنت به طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه بالمقال والفعال، وهموا بقتله، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
وكثيراً ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود، كما في سورة براءة وإبراهيم والفرقان، وسورة ص، وسورة ق، والنجم، والفجر.
ويقال أن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب، وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة. ولكن في القرآن ما يدل على أن موسى أخبر عنهما، كما قال تعالى في سورة إبراهيم:
{وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ، أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} الآية. الظاهر أن هذا من تمام كلام موسى مع قومه، ولكن لما كان هاتان الأمتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيداً، ولا اعتنوا بحفظه، وإن كان خبرهما كان مشهوراً في زمان موسى عليه السلام. وقد تكلمنا على هذا كله في التفسير مستقصي. ولله الحمد والمنة.
والمقصود الآن ذكر قصتهم وما كان من أمرهم، وكيف نجى الله نبيه صالحاً عليه السلام ومن آمن به، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوهم، ومخالفتهم رسولهم عليه السلام.
وقد قدمنا أنهم كانوا عرباً، وكانوا بعد عاد ولم يعتبروا بما كان من أمرهم. ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام:
{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم. وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور، {وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ} أي حاذقين في صنعتها وإتقانها وإحكامها. فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح، والعبادة له وحده لا شريك له، وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته، فإن عاقبة ذلك وخيمة.
ولهذا وعظهم بقوله: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} أي متراكم كثير حسن بهي ناضج. {وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي، وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ}.
وقال لهم أيضاً: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أي هو الذي خلقكم فأنشأكم من الأرض، وجعلكم عمارها، أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار، فهو الخالق الرزاق، وهو الذي يستحق العبادة وحده لا ما سواه. {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا على عبادته، فإنه يقبل منكم ويتجاوز عنكم {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}.
{قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا} أي قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملاً قبل هذه المقالة، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة، وترك ما كنا نعبده من الأنداد، والعدول عن دين الآباء والأجداد ولهذا قالوا: {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيب}.
وهذا تلطف منه لهم في العبارة ولين الجانب، وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير. أي فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم إليه؟ ما عذركم عند الله؟ وماذا يخلصكم بين يديه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم إلى طاعته؟ وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب علي، ولو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني منه ولا ينصرني. فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له، حتى يحكم الله بيني وبينكم.
وقالوا له أيضاً: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ} أي من المسحورين، يعنون مسحوراً لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده، وخلع ما سواه من الأنداد. وهذا القول عليه الجمهور، وهو أن المراد بالمسحرين المسحورين. وقيل من المسحرين: أي ممن له سحر - وهو الرئي - كأنهم يقولون إنما أنت بشر له سحر. والأول أظهر لقولهم بعد هذا: {ما أنت إلا بشر مثلنا} وقولهم {فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ} سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم به. قال: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} كما قال: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيم} وقال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا}.
وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله، وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم، فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة - وأشاروا إلى صخرة هناك - ناقة، من صفتها كيت وكيت وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها، وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء، طويلة، من صفتها كذا وكذا، فقال لهم النبي صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم، على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟ قالوا: نعم. فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك.
ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء، على الوجه المطلوب الذي طلبوا، أو على الصفة التي نعتوا.
فلما عاينوها كذلك، رأوا أمراً عظيماً، ومنظراً هائلاً، وقدرة باهرة، ودليلاً قاطعاً، وبرهاناً ساطعاً، فآمن كثير منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم. ولهذا قال: {فَظَلَمُوا بِهَا} أي جحدوا بها، ولم يتبعوا الحق بسببها، أي أكثرهم، وكان رئيس الذين آمنوا: جندع بن عمرو بن محلاة بن لبيد بن جواس، وكان من رؤسائهم. وهم بقية الأشراف بالإسلام، فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد، والحباب، صاحب أوثانهم، ورباب بن صعر بن جلمس، ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة، وكان من أشرافهم، فهم بالإسلام فنهاه أولئك، فمال إليهم فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له مهرش بن غنمة بن الذميل رحمه الله:
وكانت عصبة من آل عمرو *** إلى دين النبي دعوا شهابا
عزيز ثمود كلهم جميعا *** فهم بأن يجيب ولو أجابا
لأصبح صالح فينا عزيزا *** وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا
ولكن الغواة من آل حجر ** *** تولوا بعد رشدهم ذبابا
ولهذا قال لهم صالح عليه السلام: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم، كقوله بيت الله وعبد الله {لَكُمْ آيَةً} أي دليلاً على صدق ما جئتكم به {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}.
فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم، ترعى حيث شاءت من أرضهم، وترد الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم. ويقال أنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم، ولهذا قال: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.
ولهذا قال تعالى: {إنا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} أي اختبار لهم أيؤمنون بها أم يكفرون؟ والله أعلم بما يفعلون. {فَارْتَقِبْهُمْ} أي انتظر ما يكون من أمرهم {وَاصْطَبِرْ} على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية. {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}.
فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع أمرهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة، ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشّيْطان أعمالهم. قال الله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ}.
وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم: قدار بن سالف بن جندع، وكان أحمر أزرق أصهب. وكان يقال أنه ولد زانية، ولد على فراش سالف، وهو ابن رجل يقال له صيبان. وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم، فلهذا نسب الفعل إلى جميعهم كلهم.
وذكر ابن جرير وغيره من علماء المفسرين: أن امرأتين من ثمود اسم إحداهما "صدوقة" ابنة المحيا بن زهير بن المختار. وكانت ذات حسب ومال، وكانت تحت رجل من أسلم ففارقته، فدعت ابن عم لها يقال له "مصرع" بن مهرج بن المحيا، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة. واسم الأخرى "عنيزة" بنت غنيم بن مجلز، وتكنى أم عثمان وكانت عجوزاً كافرة، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف، إن هو عقر الناقة فله أي بناتها شاء، فانتدب هذان الشابان لعقرها وسعوا في قومهم بذلك،
فاستجاب لهم سبعة آخرون فصاروا تسعة. وهم المذكورون في قوله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ}. وسعوا في بقية القبيلة وحسنوا لهم عقرها، فأجابوهم إلى ذلك وطاوعوهم في ذلك. فانطلقوا يرصدون الناقة، فلما صدرت من وردها كمن لها "مصرع" فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها، وجاء النساء يذمرن القبيلة في قتلها، وحسرن عن وجوههن ترغيباً لهم في ذلك فابتدرهم قدار بن سالف، فشد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض. ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها، ثم طعن في لبتها فنحرها، وانطلق سقبها - وهو فصيلها - فصعد جبلاً منيعاً ورغا ثلاثاً.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع الحسن أنه قال: يارب أين أمي؟ ثم دخل في صخرة فغاب فيها. ويقال: بل اتبعوه فعقروه أيضاً.
قال الله تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}. وقال تعالى: {إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} أي احذروها {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا، وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
قال الإمام أحمد: حَدَّثَنا عبد الله بن نمير، حَدَّثَنا هشام - أبو عروة - عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال: "إذ انبعث أشقاها: انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه، مثل أبي زمعة".
أخرجاه من حديث هشام به. عارم: أي شهم. عزيز، أي: رئيس. منيع، أي: مطاع في قومه.
وقال مُحَمْد بن إسحاق: حدثني يزيد بن مُحَمْد بن خثيم، عن مُحَمْد بن كعب، عن مُحَمْد بن خثيم بن يزيد، عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "ألا أحدثك بأشقى الناس؟ قال: بلى. قال: رجلان، أحدهما أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا - يعني قرنه - حتى تبتل منه هذه - يعني لحيته".
رواه ابن أبي حاتم.
وقال تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ} فجمعوا في كلامهم هذا بين كفر بليغ من وجوه:
منها: أنهم خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهي الأكيد في عقر الناقة التي جعلها الله لهم آية.
ومنها: أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين: أحدهما الشرط عليهم في قوله: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} وفي آية{عظيم} وفي الأخرى{أليم} والكل حق. والثاني استعجالهم على ذلك.
ومنها: أنهم كذبوا الرسول الذي قد قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه، وهم يعلمون ذلك علماً جازماً، ولكن حملهم الكفر والضلال والعناد على استبعاد الحق ووقوع العذاب بهم. قال الله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}.
وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف، لعنه الله، فعرقبها فسقطت إلى الأرض، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها فلما عاين ذلك سقبها - وهو ولدها - شرد عنهم فعلا أعلى الجبل هناك، ورغا ثلاث مرات.
فلهذا قال لهم صالح: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} أي غير يومهم ذلك، فلم يصدقوه أيضاً في هذا الوعد الأكيد، بل لما أمسوا هموا بقتله وأرادوا - فيما يزعمون - أن يلحقوه بالناقة. {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي لنكبسنه في داره مع أهله فلنقتلنه، ثم نجحدن قتله ولننكرن ذلك إن طالبنا أولياؤه بدمه، ولهذا قالوا: {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُون}.
وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم فأهلكهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم، وأصبحت ثمود يوم الخميس - وهو اليوم الأول من أيام النظرة - ووجوهم مصفرة، كما أنذرهم صالح عليه السلام. فلما أمسوا نادوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجل. ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة - ووجوههم محمرة، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى يومان من الأجل، ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع - وهو يوم السبت - ووجوهم مسودة، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى الأجل.
فلما كان صبيحة يوم الأحد تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب والنكال والنقمة، لا يدرون كيف يفعل بهم؟ ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.
فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق فأصبحوا في دارهم جاثمين، جثثاً لا أرواح فيها ولا حراك بها. قالوا ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة واسمها "كلبة" بنت السلق - ويقال لها الذريعة - وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها، فقامت تسعى كأسرع شيء، فأتت حياً من العرب فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها واستسقتهم ماء، فلما شربت ماتت.
قال الله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي لم يقيموا فيها في سعة ورزق وغناء، {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِثَمُودَ} أي نادى عليهم لسان القدر بهذا.
قال الإمام أحمد: حَدَّثَنا عبد الرزاق، حَدَّثَنا معمر، حَدَّثَنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح، فكانت - يعني الناقة - ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها. وكانت تشرب ماءهم يوماً ويشربون لبنها يوماً، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله بها من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله" فقالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه".
وهذا الحديث على شرط مسلم وليس هو في شيء من الكتب الستة. والله تعالى أعلم.
وقد قال عبد الرزاق أيضاً: قال معمر: أخبرني إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر أبي رغال، فقال: "أتدرون من هذا؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا قبر أبي رغال، رجل من ثمود، كان في حرم الله فمنعه حرم الله عذاب الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ها هنا، ودفن معه غصن من ذهب. فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عنه فاستخرجوا الغصن". قال عبد الرزاق: قال معمر: قال الزهري: أبو رغال أبو ثقيف.. هذا مرسل من هذا الوجه.
وقد جاء من وجه آخر متصلاً كما ذكره مُحَمْد بن إسحاق في السيرة عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف، فمررنا بقبر، فقال: "إن هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه. فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن" وهكذا رواه أبو داود من طريق مُحَمْد بن إسحاق به. قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله: هذا حديث حسن عزيز.
قلت: تفرد به بجير بن أبي بجير هذا، ولا يعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أمية. قال شيخنا: فيحتمل أنه وهم في رفعه، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زاملتيه. والله أعلم.
قلت: لكن في المرسل الذي قبله وفي حديث جابر أيضاً شاهد له. والله أعلم.
وقوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} إخبار عن صالح عليه السلام، أنه خاطب قومه بعد هلاكهم، وقد أخذ في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلاً لهم: {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} أي: جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني، وحرصت على ذلك بقولي وفعلي ونيتي.
{وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}. أي: لم تكن سجاياكم تقبل الحق ولا تريده، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم، المستمر بكم المتصل إلى الأبد، وليس لي فيكم حيلة، ولا لي بالدفع عنكم يدان. والذي وجب علي من أداء الرسالة والنصح لكم قد فعلته، وبذلته لكم، ولكن الله يفعل ما يريد.
وهكذا خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر بعد ثلاث ليال: وقف عليهم وقد ركب راحلته وأمر بالرحيل من آخر الليل فقال: "يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً". وقال لهم فيما قال: " بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم"، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم". فقال له عمر: يا رسول الله تخاطب أقواماً قد جيفوا؟ فقال: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون".
ويقال أن صالحاً عليه السلام انتقل إلى حرم الله فأقام به حتى مات.
قال الإمام أحمد: حَدَّثَنا وكيع، حَدَّثَنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: لما مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال: "يا أبا بكر أي واد هذا؟" قال وادي عسفان. قال: "لقد مرّ به هود وصالح عليهما السلام على بكرات خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق".
إسناد حسن. وقد تقدم في قصة نوح عليه السلام من رواية الطبراني، وفيه نوح وهود وإبراهيم.
ورد ذكر القصة في مواضع عدة فى سور الأعراف - هود - الحجر - النمل - السجدة -إبراهيم - الاسراء - القمر - براءة -الفرقان - سورة ص - سورة ق - النجم - والفجر - الشعراء ....
القصة:
في سنة 9 من الهجرة كان الجيش الاسلامي بقيادة سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) يواصل زحفه باتجاه منطقة تبوك ، و ذلك لمواجهة حشود الرومان العسكرية في شمال شبه الجزيرة العربية .
كانت الرحلة شاقّة جداً . . و كان جنود الاسلام يشعرون بالتعب و الظمأ . . من أجل هذا أمر سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) بالتوقف في " وادي القرى " قريباً من منطقة تبوك .
عسكر الجيش الاسلامي قرب الجبال و كانت هناك منطقة أثرية و خرائب و آبار للمياه .
تساءل البعض عن هذه الآثار ، فقيل انها تعود إلى قبيلة ثمود التي كانت تقطن في هذا المكان .
نهى سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) المسلمين من شرب مياه تلك الآبار و دلاّهم على عين قرب الجبال . . وقال لهم أنها العين التي كانت ناقة صالح تشرب منها .
حذر سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) جنوده من دخول تلك الآثار الا للاعتبار من مصير تلك القبيلة التي حلّت بها اللعنة فاصبحت أثراً بعد عين .
فمن هي قبيلة ثمود ؟ و ما هي قصة ناقة سيدنا صالح ( عليه السلام ) ؟
قبيلة مشهورة، يقال لهم ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عاثر بن ارم بن سام بن نوح.
وكانوا عرباً من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك وقد مرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين.
وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك.
فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو عبد الله ورسوله: صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن ارم بن نوح فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد ولا يشركوا به شيئاً. فآمنت به طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه بالمقال والفعال، وهموا بقتله، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
وكثيراً ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود، كما في سورة براءة وإبراهيم والفرقان، وسورة ص، وسورة ق، والنجم، والفجر.
ويقال أن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب، وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة. ولكن في القرآن ما يدل على أن موسى أخبر عنهما، كما قال تعالى في سورة إبراهيم:
{وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ، أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} الآية. الظاهر أن هذا من تمام كلام موسى مع قومه، ولكن لما كان هاتان الأمتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيداً، ولا اعتنوا بحفظه، وإن كان خبرهما كان مشهوراً في زمان موسى عليه السلام. وقد تكلمنا على هذا كله في التفسير مستقصي. ولله الحمد والمنة.
والمقصود الآن ذكر قصتهم وما كان من أمرهم، وكيف نجى الله نبيه صالحاً عليه السلام ومن آمن به، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوهم، ومخالفتهم رسولهم عليه السلام.
وقد قدمنا أنهم كانوا عرباً، وكانوا بعد عاد ولم يعتبروا بما كان من أمرهم. ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام:
{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم. وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور، {وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ} أي حاذقين في صنعتها وإتقانها وإحكامها. فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح، والعبادة له وحده لا شريك له، وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته، فإن عاقبة ذلك وخيمة.
ولهذا وعظهم بقوله: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} أي متراكم كثير حسن بهي ناضج. {وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي، وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ}.
وقال لهم أيضاً: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أي هو الذي خلقكم فأنشأكم من الأرض، وجعلكم عمارها، أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار، فهو الخالق الرزاق، وهو الذي يستحق العبادة وحده لا ما سواه. {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا على عبادته، فإنه يقبل منكم ويتجاوز عنكم {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}.
{قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا} أي قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملاً قبل هذه المقالة، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة، وترك ما كنا نعبده من الأنداد، والعدول عن دين الآباء والأجداد ولهذا قالوا: {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيب}.
وهذا تلطف منه لهم في العبارة ولين الجانب، وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير. أي فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم إليه؟ ما عذركم عند الله؟ وماذا يخلصكم بين يديه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم إلى طاعته؟ وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب علي، ولو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني منه ولا ينصرني. فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له، حتى يحكم الله بيني وبينكم.
وقالوا له أيضاً: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ} أي من المسحورين، يعنون مسحوراً لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده، وخلع ما سواه من الأنداد. وهذا القول عليه الجمهور، وهو أن المراد بالمسحرين المسحورين. وقيل من المسحرين: أي ممن له سحر - وهو الرئي - كأنهم يقولون إنما أنت بشر له سحر. والأول أظهر لقولهم بعد هذا: {ما أنت إلا بشر مثلنا} وقولهم {فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ} سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم به. قال: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} كما قال: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيم} وقال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا}.
وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله، وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم، فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة - وأشاروا إلى صخرة هناك - ناقة، من صفتها كيت وكيت وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها، وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء، طويلة، من صفتها كذا وكذا، فقال لهم النبي صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم، على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟ قالوا: نعم. فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك.
ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء، على الوجه المطلوب الذي طلبوا، أو على الصفة التي نعتوا.
فلما عاينوها كذلك، رأوا أمراً عظيماً، ومنظراً هائلاً، وقدرة باهرة، ودليلاً قاطعاً، وبرهاناً ساطعاً، فآمن كثير منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم. ولهذا قال: {فَظَلَمُوا بِهَا} أي جحدوا بها، ولم يتبعوا الحق بسببها، أي أكثرهم، وكان رئيس الذين آمنوا: جندع بن عمرو بن محلاة بن لبيد بن جواس، وكان من رؤسائهم. وهم بقية الأشراف بالإسلام، فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد، والحباب، صاحب أوثانهم، ورباب بن صعر بن جلمس، ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة، وكان من أشرافهم، فهم بالإسلام فنهاه أولئك، فمال إليهم فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له مهرش بن غنمة بن الذميل رحمه الله:
وكانت عصبة من آل عمرو *** إلى دين النبي دعوا شهابا
عزيز ثمود كلهم جميعا *** فهم بأن يجيب ولو أجابا
لأصبح صالح فينا عزيزا *** وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا
ولكن الغواة من آل حجر ** *** تولوا بعد رشدهم ذبابا
ولهذا قال لهم صالح عليه السلام: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم، كقوله بيت الله وعبد الله {لَكُمْ آيَةً} أي دليلاً على صدق ما جئتكم به {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}.
فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم، ترعى حيث شاءت من أرضهم، وترد الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم. ويقال أنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم، ولهذا قال: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.
ولهذا قال تعالى: {إنا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} أي اختبار لهم أيؤمنون بها أم يكفرون؟ والله أعلم بما يفعلون. {فَارْتَقِبْهُمْ} أي انتظر ما يكون من أمرهم {وَاصْطَبِرْ} على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية. {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}.
فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع أمرهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة، ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشّيْطان أعمالهم. قال الله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ}.
وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم: قدار بن سالف بن جندع، وكان أحمر أزرق أصهب. وكان يقال أنه ولد زانية، ولد على فراش سالف، وهو ابن رجل يقال له صيبان. وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم، فلهذا نسب الفعل إلى جميعهم كلهم.
وذكر ابن جرير وغيره من علماء المفسرين: أن امرأتين من ثمود اسم إحداهما "صدوقة" ابنة المحيا بن زهير بن المختار. وكانت ذات حسب ومال، وكانت تحت رجل من أسلم ففارقته، فدعت ابن عم لها يقال له "مصرع" بن مهرج بن المحيا، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة. واسم الأخرى "عنيزة" بنت غنيم بن مجلز، وتكنى أم عثمان وكانت عجوزاً كافرة، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف، إن هو عقر الناقة فله أي بناتها شاء، فانتدب هذان الشابان لعقرها وسعوا في قومهم بذلك،
فاستجاب لهم سبعة آخرون فصاروا تسعة. وهم المذكورون في قوله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ}. وسعوا في بقية القبيلة وحسنوا لهم عقرها، فأجابوهم إلى ذلك وطاوعوهم في ذلك. فانطلقوا يرصدون الناقة، فلما صدرت من وردها كمن لها "مصرع" فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها، وجاء النساء يذمرن القبيلة في قتلها، وحسرن عن وجوههن ترغيباً لهم في ذلك فابتدرهم قدار بن سالف، فشد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض. ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها، ثم طعن في لبتها فنحرها، وانطلق سقبها - وهو فصيلها - فصعد جبلاً منيعاً ورغا ثلاثاً.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع الحسن أنه قال: يارب أين أمي؟ ثم دخل في صخرة فغاب فيها. ويقال: بل اتبعوه فعقروه أيضاً.
قال الله تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}. وقال تعالى: {إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} أي احذروها {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا، وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
قال الإمام أحمد: حَدَّثَنا عبد الله بن نمير، حَدَّثَنا هشام - أبو عروة - عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال: "إذ انبعث أشقاها: انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه، مثل أبي زمعة".
أخرجاه من حديث هشام به. عارم: أي شهم. عزيز، أي: رئيس. منيع، أي: مطاع في قومه.
وقال مُحَمْد بن إسحاق: حدثني يزيد بن مُحَمْد بن خثيم، عن مُحَمْد بن كعب، عن مُحَمْد بن خثيم بن يزيد، عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "ألا أحدثك بأشقى الناس؟ قال: بلى. قال: رجلان، أحدهما أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا - يعني قرنه - حتى تبتل منه هذه - يعني لحيته".
رواه ابن أبي حاتم.
وقال تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ} فجمعوا في كلامهم هذا بين كفر بليغ من وجوه:
منها: أنهم خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهي الأكيد في عقر الناقة التي جعلها الله لهم آية.
ومنها: أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين: أحدهما الشرط عليهم في قوله: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} وفي آية{عظيم} وفي الأخرى{أليم} والكل حق. والثاني استعجالهم على ذلك.
ومنها: أنهم كذبوا الرسول الذي قد قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه، وهم يعلمون ذلك علماً جازماً، ولكن حملهم الكفر والضلال والعناد على استبعاد الحق ووقوع العذاب بهم. قال الله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}.
وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف، لعنه الله، فعرقبها فسقطت إلى الأرض، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها فلما عاين ذلك سقبها - وهو ولدها - شرد عنهم فعلا أعلى الجبل هناك، ورغا ثلاث مرات.
فلهذا قال لهم صالح: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} أي غير يومهم ذلك، فلم يصدقوه أيضاً في هذا الوعد الأكيد، بل لما أمسوا هموا بقتله وأرادوا - فيما يزعمون - أن يلحقوه بالناقة. {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي لنكبسنه في داره مع أهله فلنقتلنه، ثم نجحدن قتله ولننكرن ذلك إن طالبنا أولياؤه بدمه، ولهذا قالوا: {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُون}.
وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم فأهلكهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم، وأصبحت ثمود يوم الخميس - وهو اليوم الأول من أيام النظرة - ووجوهم مصفرة، كما أنذرهم صالح عليه السلام. فلما أمسوا نادوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجل. ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة - ووجوههم محمرة، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى يومان من الأجل، ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع - وهو يوم السبت - ووجوهم مسودة، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى الأجل.
فلما كان صبيحة يوم الأحد تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب والنكال والنقمة، لا يدرون كيف يفعل بهم؟ ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.
فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق فأصبحوا في دارهم جاثمين، جثثاً لا أرواح فيها ولا حراك بها. قالوا ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة واسمها "كلبة" بنت السلق - ويقال لها الذريعة - وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها، فقامت تسعى كأسرع شيء، فأتت حياً من العرب فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها واستسقتهم ماء، فلما شربت ماتت.
قال الله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي لم يقيموا فيها في سعة ورزق وغناء، {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِثَمُودَ} أي نادى عليهم لسان القدر بهذا.
قال الإمام أحمد: حَدَّثَنا عبد الرزاق، حَدَّثَنا معمر، حَدَّثَنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح، فكانت - يعني الناقة - ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها. وكانت تشرب ماءهم يوماً ويشربون لبنها يوماً، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله بها من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله" فقالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه".
وهذا الحديث على شرط مسلم وليس هو في شيء من الكتب الستة. والله تعالى أعلم.
وقد قال عبد الرزاق أيضاً: قال معمر: أخبرني إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر أبي رغال، فقال: "أتدرون من هذا؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا قبر أبي رغال، رجل من ثمود، كان في حرم الله فمنعه حرم الله عذاب الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ها هنا، ودفن معه غصن من ذهب. فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عنه فاستخرجوا الغصن". قال عبد الرزاق: قال معمر: قال الزهري: أبو رغال أبو ثقيف.. هذا مرسل من هذا الوجه.
وقد جاء من وجه آخر متصلاً كما ذكره مُحَمْد بن إسحاق في السيرة عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف، فمررنا بقبر، فقال: "إن هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه. فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن" وهكذا رواه أبو داود من طريق مُحَمْد بن إسحاق به. قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله: هذا حديث حسن عزيز.
قلت: تفرد به بجير بن أبي بجير هذا، ولا يعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أمية. قال شيخنا: فيحتمل أنه وهم في رفعه، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زاملتيه. والله أعلم.
قلت: لكن في المرسل الذي قبله وفي حديث جابر أيضاً شاهد له. والله أعلم.
وقوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} إخبار عن صالح عليه السلام، أنه خاطب قومه بعد هلاكهم، وقد أخذ في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلاً لهم: {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} أي: جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني، وحرصت على ذلك بقولي وفعلي ونيتي.
{وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}. أي: لم تكن سجاياكم تقبل الحق ولا تريده، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم، المستمر بكم المتصل إلى الأبد، وليس لي فيكم حيلة، ولا لي بالدفع عنكم يدان. والذي وجب علي من أداء الرسالة والنصح لكم قد فعلته، وبذلته لكم، ولكن الله يفعل ما يريد.
وهكذا خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر بعد ثلاث ليال: وقف عليهم وقد ركب راحلته وأمر بالرحيل من آخر الليل فقال: "يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً". وقال لهم فيما قال: " بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم"، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم". فقال له عمر: يا رسول الله تخاطب أقواماً قد جيفوا؟ فقال: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون".
ويقال أن صالحاً عليه السلام انتقل إلى حرم الله فأقام به حتى مات.
قال الإمام أحمد: حَدَّثَنا وكيع، حَدَّثَنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: لما مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال: "يا أبا بكر أي واد هذا؟" قال وادي عسفان. قال: "لقد مرّ به هود وصالح عليهما السلام على بكرات خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق".
إسناد حسن. وقد تقدم في قصة نوح عليه السلام من رواية الطبراني، وفيه نوح وهود وإبراهيم.
0
التعليقات:
مكث موسى في قومه يدعوهم إلى الله. ويبدو أن نفوسهم كانت ملتوية بشكل لا تخطئه عين الملاحظة، وتبدو لجاجتهم وعنادهم فيما يعرف بقصة البقرة. فإن الموضوع لم يكن يقتضي كل هذه المفاوضات بينهم وبين موسى، كما أنه لم يكن يستوجب كل هذا التعنت. وأصل قصة البقرة أن قتيلا ثريا وجد يوما في بني إسرائيل، واختصم أهله ولم يعرفوا قاتله، وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى ليلجأ لربه. ولجأ موسى لربه فأمره أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة. وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تصادفهم. غير أنهم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة. اتهموا موسى بأنه يسخر منهم ويتخذهم هزوا، واستعاذ موسى بالله أن يكون من الجاهلين ويسخر منهم. أفهمهم أن حل القضية يكمن في ذبح بقرة.
إن الأمر هنا أمر معجزة، لا علاقة لها بالمألوف في الحياة، أو المعتاد بين الناس. ليست هناك علاقة بين ذبح البقرة ومعرفة القاتل في الجريمة الغامضة التي وقعت، لكن متى كانت الأسباب المنطقية هي التي تحكم حياة بني إسرائيل؟ إن المعجزات الخارقة هي القانون السائد في حياتهم، وليس استمرارها في حادث البقرة أمرا يوحي بالعجب أو يثير الدهشة. لكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل. مجرد التعامل معهم عنت. تستوي في ذلك الأمور الدنيوية المعتادة، وشؤون العقيدة المهمة. لا بد أن يعاني من يتصدى لأمر من أمور بني إسرائيل. وهكذا يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه بالسخرية منهم، ثم ينبئهم أنه جاد فيما يحدثهم به، ويعاود أمره أن يذبحوا بقرة، وتعود الطبيعة المراوغة لبني إسرائيل إلى الظهور، تعود اللجاجة والالتواء، فيتساءلون: أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا الجنس من الحيوان؟ أم أنها خلق تفرد بمزية، فليدع موسى ربه ليبين ما هي. ويدعو موسى ربه فيزداد التشديد عليهم، وتحدد البقرة أكثر من ذي قبل، بأنها بقرة وسط. ليست بقرة مسنة، وليست بقرة فتية. بقرة متوسطة. إلى هنا كان ينبغي أن ينتهي الأمر، غير أن المفاوضات لم تزل مستمرة، ومراوغة بني إسرائيل لم تزل هي التي تحكم مائدة المفاوضات. ما هو لون البقرة؟ لماذا يدعو موسى ربه ليسأله عن لون هذا البقرة؟ لا يراعون مقتضيات الأدب والوقار اللازمين في حق الله تعالى وحق نبيه الكريم، وكيف أنهم ينبغي أن يخجلوا من تكليف موسى بهذا الاتصال المتكرر حول موضوع بسيط لا يستحق كل هذه اللجاجة والمراوغة. ويسأل موسى ربه ثم يحدثهم عن لون البقرة المطلوبة. فيقول أنها بقرة صفراء، فاقع لونها تسر الناظرين. وهكذا حددت البقرة بأنها صفراء، ورغم وضوح الأمر، فقد عادوا إلى اللجاجة والمراوغة. فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه. عادوا يسألون موسى أن يدعو الله ليبين ما هي، فإن البقر تشابه عليهم، وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لحرث ولا لسقي، سلمت من العيوب، صفراء لا شية فيها، بمعنى خالصة الصفرة. انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد. وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة. أخيرا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها. وأمسك موسى جزء من البقرة (وقيل لسانها) وضرب به القتيل فنهض من موته. سأله موسى عن قاتله فحدثهم عنه (وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتحدث) ثم عاد إلى الموت. وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم، استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل. انكشف غموض القضية التي حيرتهم زمنا طال بسبب لجاجتهم وتعنتهم. نود أن نستلفت انتباه القارئ إلى سوء أدب القوم مع نبيهم وربهم، ولعل السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة "ربك" التي يخاطبون بها موسى. وكان الأولى بهم أن يقولوا لموسى، تأدبا، لو كان لا بد أن يقولوا: (ادع لنا ربك) ادع لنا ربنا. أما أن يقولوا له: فكأنهم يقصرون ربوبية الله تعالى على موسى. ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله. انظر إلى الآيات كيف توحي بهذا كله. ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده لقولهم: (الآن جئت بالحق) بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبين الله عز وجل، بعد أن أرهقوا نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها وعلاماتها المميزة، بعد تعنتهم وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين جاءهم بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقر عادة. ساعتها قالوا له: " الآن جئت بالحق". كأنه كان يلعب قبلها معهم، ولم يكن ما جاء هو الحق من أول كلمة لآخر كلمة. ثم انظر إلى ظلال السياق وما تشي به من ظلمهم: (فذبحوها وما كادوا يفعلون) ألا توحي لك ظلال الآيات بتعنتهم وتسويفهم ومماراتهم ولجاجتهم في الحق؟ هذه اللوحة الرائعة تشي بموقف بني إسرائيل على موائد المفاوضات. هي صورتهم على مائدة المفاوضات مع نبيهم الكريم موسى.
مكث موسى في قومه يدعوهم إلى الله. ويبدو أن نفوسهم كانت ملتوية بشكل لا تخطئه عين الملاحظة، وتبدو لجاجتهم وعنادهم فيما يعرف بقصة البقرة. فإن الموضوع لم يكن يقتضي كل هذه المفاوضات بينهم وبين موسى، كما أنه لم يكن يستوجب كل هذا التعنت. وأصل قصة البقرة أن قتيلا ثريا وجد يوما في بني إسرائيل، واختصم أهله ولم يعرفوا قاتله، وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى ليلجأ لربه. ولجأ موسى لربه فأمره أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة. وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تصادفهم. غير أنهم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة. اتهموا موسى بأنه يسخر منهم ويتخذهم هزوا، واستعاذ موسى بالله أن يكون من الجاهلين ويسخر منهم. أفهمهم أن حل القضية يكمن في ذبح بقرة.
إن الأمر هنا أمر معجزة، لا علاقة لها بالمألوف في الحياة، أو المعتاد بين الناس. ليست هناك علاقة بين ذبح البقرة ومعرفة القاتل في الجريمة الغامضة التي وقعت، لكن متى كانت الأسباب المنطقية هي التي تحكم حياة بني إسرائيل؟ إن المعجزات الخارقة هي القانون السائد في حياتهم، وليس استمرارها في حادث البقرة أمرا يوحي بالعجب أو يثير الدهشة. لكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل. مجرد التعامل معهم عنت. تستوي في ذلك الأمور الدنيوية المعتادة، وشؤون العقيدة المهمة. لا بد أن يعاني من يتصدى لأمر من أمور بني إسرائيل. وهكذا يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه بالسخرية منهم، ثم ينبئهم أنه جاد فيما يحدثهم به، ويعاود أمره أن يذبحوا بقرة، وتعود الطبيعة المراوغة لبني إسرائيل إلى الظهور، تعود اللجاجة والالتواء، فيتساءلون: أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا الجنس من الحيوان؟ أم أنها خلق تفرد بمزية، فليدع موسى ربه ليبين ما هي. ويدعو موسى ربه فيزداد التشديد عليهم، وتحدد البقرة أكثر من ذي قبل، بأنها بقرة وسط. ليست بقرة مسنة، وليست بقرة فتية. بقرة متوسطة. إلى هنا كان ينبغي أن ينتهي الأمر، غير أن المفاوضات لم تزل مستمرة، ومراوغة بني إسرائيل لم تزل هي التي تحكم مائدة المفاوضات. ما هو لون البقرة؟ لماذا يدعو موسى ربه ليسأله عن لون هذا البقرة؟ لا يراعون مقتضيات الأدب والوقار اللازمين في حق الله تعالى وحق نبيه الكريم، وكيف أنهم ينبغي أن يخجلوا من تكليف موسى بهذا الاتصال المتكرر حول موضوع بسيط لا يستحق كل هذه اللجاجة والمراوغة. ويسأل موسى ربه ثم يحدثهم عن لون البقرة المطلوبة. فيقول أنها بقرة صفراء، فاقع لونها تسر الناظرين. وهكذا حددت البقرة بأنها صفراء، ورغم وضوح الأمر، فقد عادوا إلى اللجاجة والمراوغة. فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه. عادوا يسألون موسى أن يدعو الله ليبين ما هي، فإن البقر تشابه عليهم، وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لحرث ولا لسقي، سلمت من العيوب، صفراء لا شية فيها، بمعنى خالصة الصفرة. انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد. وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة. أخيرا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها. وأمسك موسى جزء من البقرة (وقيل لسانها) وضرب به القتيل فنهض من موته. سأله موسى عن قاتله فحدثهم عنه (وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتحدث) ثم عاد إلى الموت. وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم، استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل. انكشف غموض القضية التي حيرتهم زمنا طال بسبب لجاجتهم وتعنتهم. نود أن نستلفت انتباه القارئ إلى سوء أدب القوم مع نبيهم وربهم، ولعل السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة "ربك" التي يخاطبون بها موسى. وكان الأولى بهم أن يقولوا لموسى، تأدبا، لو كان لا بد أن يقولوا: (ادع لنا ربك) ادع لنا ربنا. أما أن يقولوا له: فكأنهم يقصرون ربوبية الله تعالى على موسى. ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله. انظر إلى الآيات كيف توحي بهذا كله. ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده لقولهم: (الآن جئت بالحق) بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبين الله عز وجل، بعد أن أرهقوا نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها وعلاماتها المميزة، بعد تعنتهم وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين جاءهم بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقر عادة. ساعتها قالوا له: " الآن جئت بالحق". كأنه كان يلعب قبلها معهم، ولم يكن ما جاء هو الحق من أول كلمة لآخر كلمة. ثم انظر إلى ظلال السياق وما تشي به من ظلمهم: (فذبحوها وما كادوا يفعلون) ألا توحي لك ظلال الآيات بتعنتهم وتسويفهم ومماراتهم ولجاجتهم في الحق؟ هذه اللوحة الرائعة تشي بموقف بني إسرائيل على موائد المفاوضات. هي صورتهم على مائدة المفاوضات مع نبيهم الكريم موسى.
0
التعليقات:
ورد ذكر قارون في سورة العنكبوت، وغافر، وورد ذكر القصة بتفصيل أكثر في سورة القصص الآيات 76-82.
يروي لنا القرآن قصة قارون، وهو من قوم موسى. لكن القرآن لا يحدد زمن القصة ولا مكانها. فهل وقعت هذه القصة وبنو إسرائيل وموسى في مصر قبل الخروج؟ أو وقعت بعد الخروج في حياة موسى؟ أم وقعت في بني إسرائيل من بعد موسى؟ وبعيدا عن الروايات المختلفة، نورد القصة كما ذكرها القرآن الكريم.
يحدثنا الله عن كنوز قارون فيقول سبحانه وتعالى إن مفاتيح الحجرات التي تضم الكنوز، كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء. ولو عرفنا عن مفاتيح الكنوز هذه الحال، فكيف كانت الكنوز ذاتها؟! لكن قارون بغى على قومه بعد أن آتاه الله الثراء. ولا يذكر القرآن فيم كان البغي، ليدعه مجهلا يشمل شتى الصور. فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم. وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال. حق الفقراء في أموال الأغنياء. وربما بغى عليهم بغير هذه الأسباب.
ويبدو أن العقلاء من قومه نصحوه بالقصد والاعتدال، وهو المنهج السليم. فهم يحذروه من الفرح الذي يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال، وينصحونه بالتمتع بالمال في الدنيا، من غير أن ينسى الآخرة، فعليه أن يعمل لآخرته بهذا المال. ويذكرونه بأن هذا المال هبة من الله وإحسان، فعليه أن يحسن ويتصدق من هذا المال، حتى يرد الإحسان بالإحسان. ويحذرونه من الفساد في الأرض، بالبغي، والظلم، والحسد، والبغضاء، وإنفاق المال في غير وجهه، أو إمساكه عما يجب أن يكون فيه. فالله لا يحب المفسدين. فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد (قال إنما أوتيته على علم عندي
). لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء. فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه.
وخرج قارون ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم، وتمنوا أن لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة. فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان: ويلكم أيها المخدوعون، احذروا الفتنة، واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون.
وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها، وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى، تتدخل القدرة الإلهية لتضع حدا للفتنة، وترحم الناس الضعاف من إغراءها، وتحطم الغرور والكبرياء، فيجيء العقاب حاسما (فخسفنا به وبداره الأرض
) هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره. وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال.
وبدأ الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض في دهشة وعجب واعتبار. فقال الذين كانوا يتمنون أن عندهم مال قارون وسلطانه وزينته وحظه في الدنيا: حقا إن الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويوسع عليهم، أو يقبض ذلك، فالحمد لله أن منّ علينا فحفظنا من الخسف والعذاب الأليم. إنا تبنا إليك سبحانك، فلك الحمد في الأولى والآخرة.
ورد ذكر قارون في سورة العنكبوت، وغافر، وورد ذكر القصة بتفصيل أكثر في سورة القصص الآيات 76-82.
يروي لنا القرآن قصة قارون، وهو من قوم موسى. لكن القرآن لا يحدد زمن القصة ولا مكانها. فهل وقعت هذه القصة وبنو إسرائيل وموسى في مصر قبل الخروج؟ أو وقعت بعد الخروج في حياة موسى؟ أم وقعت في بني إسرائيل من بعد موسى؟ وبعيدا عن الروايات المختلفة، نورد القصة كما ذكرها القرآن الكريم.
يحدثنا الله عن كنوز قارون فيقول سبحانه وتعالى إن مفاتيح الحجرات التي تضم الكنوز، كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء. ولو عرفنا عن مفاتيح الكنوز هذه الحال، فكيف كانت الكنوز ذاتها؟! لكن قارون بغى على قومه بعد أن آتاه الله الثراء. ولا يذكر القرآن فيم كان البغي، ليدعه مجهلا يشمل شتى الصور. فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم. وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال. حق الفقراء في أموال الأغنياء. وربما بغى عليهم بغير هذه الأسباب.
ويبدو أن العقلاء من قومه نصحوه بالقصد والاعتدال، وهو المنهج السليم. فهم يحذروه من الفرح الذي يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال، وينصحونه بالتمتع بالمال في الدنيا، من غير أن ينسى الآخرة، فعليه أن يعمل لآخرته بهذا المال. ويذكرونه بأن هذا المال هبة من الله وإحسان، فعليه أن يحسن ويتصدق من هذا المال، حتى يرد الإحسان بالإحسان. ويحذرونه من الفساد في الأرض، بالبغي، والظلم، والحسد، والبغضاء، وإنفاق المال في غير وجهه، أو إمساكه عما يجب أن يكون فيه. فالله لا يحب المفسدين. فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد (قال إنما أوتيته على علم عندي
). لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء. فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه.
وخرج قارون ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم، وتمنوا أن لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة. فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان: ويلكم أيها المخدوعون، احذروا الفتنة، واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون.
وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها، وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى، تتدخل القدرة الإلهية لتضع حدا للفتنة، وترحم الناس الضعاف من إغراءها، وتحطم الغرور والكبرياء، فيجيء العقاب حاسما (فخسفنا به وبداره الأرض
) هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره. وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال.
وبدأ الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض في دهشة وعجب واعتبار. فقال الذين كانوا يتمنون أن عندهم مال قارون وسلطانه وزينته وحظه في الدنيا: حقا إن الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويوسع عليهم، أو يقبض ذلك، فالحمد لله أن منّ علينا فحفظنا من الخسف والعذاب الأليم. إنا تبنا إليك سبحانك، فلك الحمد في الأولى والآخرة.
«كان يونس عليه السلام قد بعثه الله إلى أهل قرية نينوى – وهي قرية من أرض الموصل – فدعاهم إلى الله تعالى فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم فخرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، ثم ركب مع قوم في سفينة فلجلجت بهم وخافوا أن يغرقوا فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، فأبوا ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا؛ قال تعالى: (( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ )) [الصافات] أي وقعت عليه القرعة فقام يونس وتجرد من ثيابه ثم ألقى نفسه في البحر.
وقد أرسل الله سبحانه من البحر الأخضر – فيما قاله ابن مسعود – حوتًا يشق البحار حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحمًا ولا تهشم له عظمًا فإن يونس ليس لك رزقًا وإنما بطنك تكون له سجنًا قال ابن مسعود: وكان يونس عليه السلام في ظلماتٍ ثلاث: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، وقال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما في ذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره فنادى في الظلمات: (( أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))
قال عوف الأعرابي: لما صار يونس عليه السلام في بطن الحوت ظن أنه قد مات ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه، ثم نادى يا رب اتخذت لك مسجدًا في موضع لم يبلغه أحد من الناس، وقال سعيد بن الحسن البصري: «مكث في بطن الحوت أربعين يومًا رواهما ابن جرير وقال محمد بن إسحاق بن يسار عمن حدثه عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله : «لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحمًا ولا تكسر له عظمًا فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًا، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه في بطن الحوت أن هذا تسبيح دواب البحر، قال: وسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد له في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم. قال: فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال الله تعالى: (( وَهُوَ سَقِيمٌ )) [الصافات: 145]
وقال صلى الله عليه وسلم: ” دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت (( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )) فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له” رواه الترمذي والنسائي.
«كان يونس عليه السلام قد بعثه الله إلى أهل قرية نينوى – وهي قرية من أرض الموصل – فدعاهم إلى الله تعالى فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم فخرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، ثم ركب مع قوم في سفينة فلجلجت بهم وخافوا أن يغرقوا فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، فأبوا ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا؛ قال تعالى: (( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ )) [الصافات] أي وقعت عليه القرعة فقام يونس وتجرد من ثيابه ثم ألقى نفسه في البحر.
وقد أرسل الله سبحانه من البحر الأخضر – فيما قاله ابن مسعود – حوتًا يشق البحار حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحمًا ولا تهشم له عظمًا فإن يونس ليس لك رزقًا وإنما بطنك تكون له سجنًا قال ابن مسعود: وكان يونس عليه السلام في ظلماتٍ ثلاث: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، وقال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما في ذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره فنادى في الظلمات: (( أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))
قال عوف الأعرابي: لما صار يونس عليه السلام في بطن الحوت ظن أنه قد مات ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه، ثم نادى يا رب اتخذت لك مسجدًا في موضع لم يبلغه أحد من الناس، وقال سعيد بن الحسن البصري: «مكث في بطن الحوت أربعين يومًا رواهما ابن جرير وقال محمد بن إسحاق بن يسار عمن حدثه عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله : «لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحمًا ولا تكسر له عظمًا فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًا، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه في بطن الحوت أن هذا تسبيح دواب البحر، قال: وسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد له في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم. قال: فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال الله تعالى: (( وَهُوَ سَقِيمٌ )) [الصافات: 145]
وقال صلى الله عليه وسلم: ” دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت (( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )) فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له” رواه الترمذي والنسائي.
0
التعليقات:
أكرمَ اللهُ عزَّ وجلَّ عبدَهُ ونبيَّهُ سليمانَ عليهِ السلامُ بنعَمٍ كثيرةٍ وخَصّهُ بمزايا رائعةً كانتْ عُنوانًا للعَظَمَةِ والمجدِ ومَظْهرًا من مظاهِرِ المُلْكِ العظيمِ والجاهِ الكبيرِ والدرجةِ العاليةِ عندَ اللهِ سبحانَهُ، فقدْ فضّلَهُ اللهُ تعالى بالنبُوّةِ وتسخيرِ الشياطينِ والجنِّ والطيرِ وقدْ علّمَهُ اللهُ تعالى مَنْطِقَ الطّيرِ ولُغتَهُ وسائرَ لغاتِ الحيواناتِ فكانَ يفهمُ عنْها ما لا يفهمُهُ سائرُ الناسِ وكانَ يتحدّثُ معها أحيانًا كما كانَ الأمرُ مع الهُدْهُدِ والنّملِ. وكانتْ وظيفةُ الهُدْهُدِ في جيشِ سيّدِنا سليمانَ أنّهم كانوا إذا أعوزوا الماءَ واحتاجوا إليهِ في حالِ
الأسفارِ أنْ يجيءَ الهُدْهُدُ فينظرَ لهم هلْ بهذهِ البقاعِ مَنْ ماءٍ ؟ لأنّ الهُدْهُدَ كانَ ينظرُ إلى الماءِ تحتَ تُخومِ الأرضِ ، كانَ يرَى الماءَ في الأرضِ كما يرى الماءَ في الزّجاجَةِ بمشيئةِ اللهِ تعالى. فلقدْ ذَكَرَ المفسّرونَ أنّ سليمانَ لما حَجّ خرَجَ إلى اليمنِ فوافى صنعاءَ وقتَ الزّوالِ فنَزَلَ ليصلّي فلمْ يجدِ الماءَ فتفقّدَهُ لذلكَ .
وذُكِرَ أيضًا أنّه وقعتْ نفحةٌ منَ الشمسِ على رأسِ سيِّدِنا سليمانَ فنظرَ فإذا موضعُ الهُدْهُدِ خالٍ ، لأنّ الطّيرَ كانتْ تُظِلّ سليمانَ عليهِ السلامُ منْ أشعّةِ الشّمسِ . فلمّا فقدَ الهُدْهُدَ دعا عريفَ الطّيرِ وهو النَّسْرُ فسألَهُ عنهُ فلمْ يجدْ عندَهُ عِلْمَهُ ، ثمّ قالَ لسيّدِ الطّيرِ وهوَ العُقابُ: "عليَّ بهِ" فارتفعَ العُقابُ فنظرَ فرأى الهُدْهُدَ مُقبِلاً منْ بعيدٍ فقصدَهُ فقالَ لهُ الهُدْهُدُ: "ناشدتُكَ اللهَ أنْ تتْرُكَني" فتركَهُ ووصلَ الهُدْهُدُ إلى سيِّدِنا سليمانَ فلمّا قَرُبَ منهُ أرْخَى ذنبَهُ وجناحيْهِ يجرُّهُما على الأرضِ وقال: "يا نبيَّ اللهِ اذكُرْ وقوفَكَ بينَ يديِ اللهِ" .(أيْ في موقفِ يومِ القيامةِ، وليس معنى ذلك أنّ الله موضوفٌ باليدِ الجارحةِ لأنه منَزّهٌ عن ذلك وموجودٌ بلا مكانٍ) فارتعَدَ سليمانُ وعفا عنهُ. يقولُ ربُّ العِزّةِ في مُحكَمِ التّنْزيلِ: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ سورة النمل/20-21 .
قالَ أوْ لأذبحنَّهُ أوْ ليأتيَني بسلطانٍ مبينٍ أي بحُجّةٍ لهُ فيها عُذرٌ ظاهرٌ على غيبتِه.
وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ، فلمّا فَرَغَ الهُدْهُدُ منْ كلامِهِ قالَ سليمانُ عليهِ السلامُ: "سننظُرُ أصدَقْتَ (أي فيما أخبَرْتَ عن خبر بلقيس) أمْ كنتَ منَ الكاذبينَ ؟"
ثمّ كتبَ سليمانُ كتابًا: "منْ عبدِ اللهِ سليمانَ بنَ داودَ إلى بلقيسَ ملكةِ سبَإٍ بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ السلامُ على مَنِ اتّبعِ الهُدى أمّا بعدُ فلا تعلُو عَلَيّ وأتوني مسلمينَ" وطَبَعَهُ بالمِسكِ وختمَهُ بخاتَمِهِ وقالَ للهُدْهُدِ: "اذهبْ بكتابي هذا فألْقِهِ إليهِمْ " أيْ إلى بَلقيسَ وقومِها، فأخَذَ الهُدْهُدُ الكتابَ بمِنقارِهِ ودخلَ عليها مِنْ كُوّةٍ فطَرَحَ الكتابَ على نَمْرِها وهي راقدةٌ وتوارى في الكَوَّةِ فانتبَهَتْ فَزِعَةً ، يقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ العظيمِ إخبارًا عنْ بلقيسَ : ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ النمل/29-30-31 .
0
التعليقات:
سيدنا هود عليه السلام هو هود بن رباح بن عاد بن عوص بن سام بن نوح عليه السلامعاد قوم سيدنا هود
بعد نجاه المؤمنين مع سيدنا نوح فى السفينه عاشوا فترة من الزمن جميعا فى العراق ثم تفرق ابناء سيدنا نوح في البلاد فرحل ابنه سام الى جنوب اليمن واقام بها هو وابناؤه يعبدون الله ويطيعون اوامره ويحافظون على دينه وظلت هذه الذريه لا تشرك بالله شيئا وتفعل الخير وتبعد عن الشر فبارك الله فى اموالهم وابنائهم ومنحهم الصحه والعافيه لدرجه ان اجسامهم كانت ضخمه جدا وذلك لكى يتحملوا مصاعب الصحراء التى كانوا يعيشون فيها وكان يقال ان طول الواحد منهم يصل الى سبعين ذراعا وكان هؤلاء القوم يسكنون خيام ذات اعمده ضخمه قويه وصفها الله تعالى بقوله "الم تر كيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد "
وكان لقوتهم الجسميه اثر عظيم فى ارهاب القبائل التى تجاورهماغواء الشيطان على الرغم من ان الله منحهم الصحه والعافيه وانعم عليهم بنعم كثيره الا انهم انحرفوا عن طريق عباده الله واتبعوا عباده الاصنام فكان اغنياؤهم يعبدون ثلاثه اصنام هم "صمدا"و"صمودا"و"هرا" واتبعهم بقيه القوم بعد ذللك فارسل الله لهم نبيهم هود لكى يعلمهم الخير ويبعهم عن عباده الاصنامدعوة سيدنا هود بعد ان نزلتا الرساله على سيدنا هود وامره الله بتبليغ الناس تعاليم الله وتذكيرهم بنعم الله وترك عبادة الاصنام التى لا تضر ولا تنفع خرج سيدنا هود ليتحدث مع قومه قائلا لهم ياقوم اعبدوا الله الذى خلقكم ورزقكم الصحه ورزقكم المال والاولاد قال الله تعالى حاكيا ذلك "واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بصطه فاذكروا الاء الله لعلكم تفلحون" وقال لهم واذكروا ان اله رزقكم عقولا تفكرون بها فبنيتم الابنيه الجميله التى لانرى مثلها فى بلاد غير بلادنا فهل يصح بعد ذلك ان نعبد الاصناكم ؟! وقالوا لسيدنا هود: انا نرى ان عقلك حدث فيه شئ قال سيدنا هود: ان عقلى سليم ولكنى ابلغكم رساله من عند الله فهى نصيحه وارجو ان تعملوا بها لعلكم تفلحون فقالو له : يا هود ما جئتنا بما يبين ذلك ولن نترك عبادة الاصنام كلام كاذب: قال بعض الناس من قوم نوح الذين كانوا يستفيدون من عبادة الاصنام حيث كانوا ياكلون من الذبائح التى يتقرب بها الكفار الى الاصنام فيذبحونها عندها فقالوا كلاما كذبا ليس صحيحا عل سيدنا هود وهو انه اصيب بالجنون وقالوا : كيف يكون نبيا وهو بشر مثلنا ياكل مما ناكل منه ويشرب مما نشرب ؟! ولو سمعنا كلام بشر مثلنا نكون سفهاء وقالوا : لو انزل الله انبياء من الملائكه؟ ولكن كيف يستطيعون على اتباع الملائكه فى العباده وهم بشر؟! وكذبوا كلام سيدنا هود عندما قال لهم : ان الله يحيى الانسان بعد موته مرة ثانيه ؛ ليحاسبه على اعماله اصرار على الكفر: لم ييأس سيدنا هعود من دعوة قومه وكان يحاول اقناعهم بطرق مختلفه ؛ لكى يتركو عبادة الاصنام ويعبدوا الله وحده الذى لا شريك له لان جميع المخلوقات خلقها الله وحده سبحانه وتعالى فمرة يوضح لهم نعم الله لكى يؤمنوا بالله ومره يثبت لهم ان الاصنام لم تخلقهم لذلك فهى لا تستحق العباده واحس الكافرون ان كل النعم التى يعيشون فيها من زروع وحدائق وابنيه عظيمه جائت بسبب تفكيرهم وليست هذه النعم الا بفضل ذكائهم وعقلهم ونسو فضل الله عليهم وانه هو الذى بيده خزائن السموات والارض
وهنا علم سيدنا هود والذين امنوا معه ان الشيطان سيطر على عقولهم وقلوبهم انذار اخير:
خرج سيدنا هود يحاول مع قومه محاوله اخيره قبل ان ينزل عليهم العذاب من الله فقال لهم: يا قوم انى خائف عليكم عذاب الله ؛ لانكم عبدتم الاصنام وهذا شرك بالله وانا برئ مما تشركون قال له الكفار: اسكت يا هود والا عذبناك عذابا شديدا قال سيدنا هود: انا لا اخاف الا الله قال الكفار: وماذا سيفعل الله معنا؟ قال سيدنا هود : سوف ينزل عليكم عذابا فلا تتمتعون بحدائقكم ولا بيوتكم الجميله قال الكفار: وهل هناك ضرر واقع على ربك لاننا عبدنا الاصنام؟ قال سيدنا هود : الضرر سيقع عليكم انتم والدمار سينزل عليكم ان لم تطيعوا امر الله وتمتنعون عن عبادة الاصنام قال الكفار: واى ضرر يقع علينا نحن اصحاب الاجسام القويه والمبانى الضخمه؟ قال سيدنا هود: ان الله قادر على ان يهلك جميع من على الارض فى لحظه واحده قال الكفار: اذا كان ربك يقدر على ذلك فقل له يهلكنا ويدمرنا واغتر هؤلاء القوم بقوتهم فاستهانوا بكل شئ وظنو انه لا يستطيع احد ان ينتصر عليهم وانه لا حساب عليهم عذاب شديد بعدما احس قوم هود انه لا يقدر عليهم احد وان اصنامهم ستحميهم بدأ الله فى اخذ نعمه التى كان قد انعم عليهم بها فلقد منع الله عنهم المطر الذى ينزل بقدرته من السماء وهو الذى كان يعتمدون عليه فى حياتهم خاصة انهم يعيشون فى الصحراء وصلت عليهم حرارة الشمس الشديده كوت جلودهم فكانو يسرعون الى ابار المياه ليشربو منها ويضعوا الماء على اجسادهم فلا يجدون فيها ماء واحترق الزرع وماتت الماشيه وبعد ايام من العذاب راى قوم عاد سحابه سوداء قادمه فى اتجاههم فظنوا انها تحمل خيرا لهم نهاية قوم هود: سلط الله على قوم هود ريحا قويه قلعت الاشجار وهدمت المنازل فمات بعضهم تحت هدم المنازل وهرب بعضهم الى الجبال بحثا عن النجاة فكانت تنزل عليه نار من السماء تحرقه ثم تحمله الريح كما يحمل الهواء الخفيف لاوراق ثم يترك بعد ذلك بعد ان ارتفع فى الهواء امتارا بعيده فينزل على راسه ميتا كانه نخله خاويه واستمر القوم فى هذا العذاب المهلك سبع ليالى وثمانية ايام فسارو جميعا مثل الاشجار المتكسره الملقاه على الارض لا تتحرك فقال الله تعالى حاكيا عن قوم هود وما انتهى اليه امرهم من العناد والتكذيب والاستكبار على نبى الله : ( واما عاد فاهلكو بريح صرصر عاتيه سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حصوما فترى القوم فيها صرعا كانهم اعجاز نخل خاويه فهل ترى لهم من باقيه)
هذه نهاية كل من استكبر عن عبادة الله وحده وعاند انبياء الله فجعلهم الله عبره لغيرهم حتى يتعظ الناس لحالهم ولذلك ان الله ذكر قوم عاد وما حدث لهم فى سور كثيره من القرآن الكريم نجاة المؤمنين: اما سيدنا هود والذين امنوا معه فامرهم الله ان يدخلو كهفا معينا حتى لا يتعرضوا لما سينزل على الكافرين من عذاب ولن يصيب الله المؤمنين باى اذى وبعد الهلاك والدمار الذى لحق بالكافرين المعاندين المستكبرين خرج سيدنا هود والذين امنوا معه سالمين لم يصيبهم ضرر ولا اى شئ
قال الله فى القرآن عن سيدنا هود والمؤمنين معه: ( فانجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا باياتنا وما كانوا مؤمنين) حياة جدبده وعاش سيدنا هود والمؤمنين معه فى حضرموت بعد ذلك يعبدون الله وظلوا يدعون الى الخير الى ان توفاهم الله وهم على ذلك ففازو بالنجاة من العذاب فى الدنيا وباذن الله سيكونون فى جنات النعيم فى الاخره نسأل الله صلاح الحال وحسن الختام
سيدنا هود عليه السلام هو هود بن رباح بن عاد بن عوص بن سام بن نوح عليه السلامعاد قوم سيدنا هود
بعد نجاه المؤمنين مع سيدنا نوح فى السفينه عاشوا فترة من الزمن جميعا فى العراق ثم تفرق ابناء سيدنا نوح في البلاد فرحل ابنه سام الى جنوب اليمن واقام بها هو وابناؤه يعبدون الله ويطيعون اوامره ويحافظون على دينه وظلت هذه الذريه لا تشرك بالله شيئا وتفعل الخير وتبعد عن الشر فبارك الله فى اموالهم وابنائهم ومنحهم الصحه والعافيه لدرجه ان اجسامهم كانت ضخمه جدا وذلك لكى يتحملوا مصاعب الصحراء التى كانوا يعيشون فيها وكان يقال ان طول الواحد منهم يصل الى سبعين ذراعا وكان هؤلاء القوم يسكنون خيام ذات اعمده ضخمه قويه وصفها الله تعالى بقوله "الم تر كيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد "
وكان لقوتهم الجسميه اثر عظيم فى ارهاب القبائل التى تجاورهماغواء الشيطان على الرغم من ان الله منحهم الصحه والعافيه وانعم عليهم بنعم كثيره الا انهم انحرفوا عن طريق عباده الله واتبعوا عباده الاصنام فكان اغنياؤهم يعبدون ثلاثه اصنام هم "صمدا"و"صمودا"و"هرا" واتبعهم بقيه القوم بعد ذللك فارسل الله لهم نبيهم هود لكى يعلمهم الخير ويبعهم عن عباده الاصنامدعوة سيدنا هود بعد ان نزلتا الرساله على سيدنا هود وامره الله بتبليغ الناس تعاليم الله وتذكيرهم بنعم الله وترك عبادة الاصنام التى لا تضر ولا تنفع خرج سيدنا هود ليتحدث مع قومه قائلا لهم ياقوم اعبدوا الله الذى خلقكم ورزقكم الصحه ورزقكم المال والاولاد قال الله تعالى حاكيا ذلك "واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بصطه فاذكروا الاء الله لعلكم تفلحون" وقال لهم واذكروا ان اله رزقكم عقولا تفكرون بها فبنيتم الابنيه الجميله التى لانرى مثلها فى بلاد غير بلادنا فهل يصح بعد ذلك ان نعبد الاصناكم ؟! وقالوا لسيدنا هود: انا نرى ان عقلك حدث فيه شئ قال سيدنا هود: ان عقلى سليم ولكنى ابلغكم رساله من عند الله فهى نصيحه وارجو ان تعملوا بها لعلكم تفلحون فقالو له : يا هود ما جئتنا بما يبين ذلك ولن نترك عبادة الاصنام كلام كاذب: قال بعض الناس من قوم نوح الذين كانوا يستفيدون من عبادة الاصنام حيث كانوا ياكلون من الذبائح التى يتقرب بها الكفار الى الاصنام فيذبحونها عندها فقالوا كلاما كذبا ليس صحيحا عل سيدنا هود وهو انه اصيب بالجنون وقالوا : كيف يكون نبيا وهو بشر مثلنا ياكل مما ناكل منه ويشرب مما نشرب ؟! ولو سمعنا كلام بشر مثلنا نكون سفهاء وقالوا : لو انزل الله انبياء من الملائكه؟ ولكن كيف يستطيعون على اتباع الملائكه فى العباده وهم بشر؟! وكذبوا كلام سيدنا هود عندما قال لهم : ان الله يحيى الانسان بعد موته مرة ثانيه ؛ ليحاسبه على اعماله اصرار على الكفر: لم ييأس سيدنا هعود من دعوة قومه وكان يحاول اقناعهم بطرق مختلفه ؛ لكى يتركو عبادة الاصنام ويعبدوا الله وحده الذى لا شريك له لان جميع المخلوقات خلقها الله وحده سبحانه وتعالى فمرة يوضح لهم نعم الله لكى يؤمنوا بالله ومره يثبت لهم ان الاصنام لم تخلقهم لذلك فهى لا تستحق العباده واحس الكافرون ان كل النعم التى يعيشون فيها من زروع وحدائق وابنيه عظيمه جائت بسبب تفكيرهم وليست هذه النعم الا بفضل ذكائهم وعقلهم ونسو فضل الله عليهم وانه هو الذى بيده خزائن السموات والارض
وهنا علم سيدنا هود والذين امنوا معه ان الشيطان سيطر على عقولهم وقلوبهم انذار اخير:
خرج سيدنا هود يحاول مع قومه محاوله اخيره قبل ان ينزل عليهم العذاب من الله فقال لهم: يا قوم انى خائف عليكم عذاب الله ؛ لانكم عبدتم الاصنام وهذا شرك بالله وانا برئ مما تشركون قال له الكفار: اسكت يا هود والا عذبناك عذابا شديدا قال سيدنا هود: انا لا اخاف الا الله قال الكفار: وماذا سيفعل الله معنا؟ قال سيدنا هود : سوف ينزل عليكم عذابا فلا تتمتعون بحدائقكم ولا بيوتكم الجميله قال الكفار: وهل هناك ضرر واقع على ربك لاننا عبدنا الاصنام؟ قال سيدنا هود : الضرر سيقع عليكم انتم والدمار سينزل عليكم ان لم تطيعوا امر الله وتمتنعون عن عبادة الاصنام قال الكفار: واى ضرر يقع علينا نحن اصحاب الاجسام القويه والمبانى الضخمه؟ قال سيدنا هود: ان الله قادر على ان يهلك جميع من على الارض فى لحظه واحده قال الكفار: اذا كان ربك يقدر على ذلك فقل له يهلكنا ويدمرنا واغتر هؤلاء القوم بقوتهم فاستهانوا بكل شئ وظنو انه لا يستطيع احد ان ينتصر عليهم وانه لا حساب عليهم عذاب شديد بعدما احس قوم هود انه لا يقدر عليهم احد وان اصنامهم ستحميهم بدأ الله فى اخذ نعمه التى كان قد انعم عليهم بها فلقد منع الله عنهم المطر الذى ينزل بقدرته من السماء وهو الذى كان يعتمدون عليه فى حياتهم خاصة انهم يعيشون فى الصحراء وصلت عليهم حرارة الشمس الشديده كوت جلودهم فكانو يسرعون الى ابار المياه ليشربو منها ويضعوا الماء على اجسادهم فلا يجدون فيها ماء واحترق الزرع وماتت الماشيه وبعد ايام من العذاب راى قوم عاد سحابه سوداء قادمه فى اتجاههم فظنوا انها تحمل خيرا لهم نهاية قوم هود: سلط الله على قوم هود ريحا قويه قلعت الاشجار وهدمت المنازل فمات بعضهم تحت هدم المنازل وهرب بعضهم الى الجبال بحثا عن النجاة فكانت تنزل عليه نار من السماء تحرقه ثم تحمله الريح كما يحمل الهواء الخفيف لاوراق ثم يترك بعد ذلك بعد ان ارتفع فى الهواء امتارا بعيده فينزل على راسه ميتا كانه نخله خاويه واستمر القوم فى هذا العذاب المهلك سبع ليالى وثمانية ايام فسارو جميعا مثل الاشجار المتكسره الملقاه على الارض لا تتحرك فقال الله تعالى حاكيا عن قوم هود وما انتهى اليه امرهم من العناد والتكذيب والاستكبار على نبى الله : ( واما عاد فاهلكو بريح صرصر عاتيه سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حصوما فترى القوم فيها صرعا كانهم اعجاز نخل خاويه فهل ترى لهم من باقيه)
هذه نهاية كل من استكبر عن عبادة الله وحده وعاند انبياء الله فجعلهم الله عبره لغيرهم حتى يتعظ الناس لحالهم ولذلك ان الله ذكر قوم عاد وما حدث لهم فى سور كثيره من القرآن الكريم نجاة المؤمنين: اما سيدنا هود والذين امنوا معه فامرهم الله ان يدخلو كهفا معينا حتى لا يتعرضوا لما سينزل على الكافرين من عذاب ولن يصيب الله المؤمنين باى اذى وبعد الهلاك والدمار الذى لحق بالكافرين المعاندين المستكبرين خرج سيدنا هود والذين امنوا معه سالمين لم يصيبهم ضرر ولا اى شئ
قال الله فى القرآن عن سيدنا هود والمؤمنين معه: ( فانجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا باياتنا وما كانوا مؤمنين) حياة جدبده وعاش سيدنا هود والمؤمنين معه فى حضرموت بعد ذلك يعبدون الله وظلوا يدعون الى الخير الى ان توفاهم الله وهم على ذلك ففازو بالنجاة من العذاب فى الدنيا وباذن الله سيكونون فى جنات النعيم فى الاخره نسأل الله صلاح الحال وحسن الختام
0
التعليقات:
نشأ سيدنا إبراهيم عليه السلام في أمة تعبد الأصنام وكان قومه جميعاً حتى أبوه يتخذون أصناماً آلهةً فلم يجارِ الناس على سيرهم ولم يوافق أباه على ضلاله بل إنه جعل ينظر ويتأمَّل وصار يُفكِّر ويتعمَّق في التفكير فنظر أول ما نظر إلى نفسه وهداه تفكيره المتواصل إلى أنَّ نطفةً من منيٍ يمنى لا يمكن لها بذاتها أن تتحوَّل بعد حين وتصبح مخلوقاً كريماً وإنساناً سوياً ذا سمع وبصر ونطق وشم ووعي وتفكير وله ماله من قلب ورئتين ومعدة وكليتين وكبد وأمعاء إلى غير ذلك من الأجهزة والأعضاء التي يحار في دقة تركيبها وبعظمة صنعها كل ناظر ومتأمل. نعم لقد أوجت إليه هذه الفكرة المتواصلة وهداه هذا التأمل إلى أنَّ له ربّاً عظيماً خلقه ورتَّبه وأحكم صنعه وركَّبه.
وراح سيدنا إبراهيم عليه السلام يبحث عن خالقه ويُفكِّر ليلاً نهاراً جاهداً جادّاً في معرفة ربِّه. ونظر فيما يعكف عليه أبوه وقومه مفكِّراً متسائلاً أيمكن لصنم نحته إنسان بيده أن يكون خالقاً مربياً؟. وهل يستطيع هذا الصنم الذي لا يقوى على أن يمسك ذاته بذاته أن يمسك السموات والأرض وأن يمد ما فيها بالحياة؟. وذلك ما لا يقبله فكر سليم ولا يقرّه عقل ولا منطق صحيح. وهكذا استطاع سيدنا إبراهيم عليه السلام بتفكيره أن يتحرَّر من عقيدة الوثنية التي درج عليها أبوه وقومه من قبل وأن يُخالف البيئة والمجتمع الذي نشأ فيه وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إبْراهِيمُ لأَبيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبينٍ}سورة الأنعام: الآية 74. وإنَّه لخليق بكل إنسان ما دام قد أعطي من التفكير ما أعطيه أبوه وسائر الناس أن يفكِّر كما فكَّر سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأن يبحث بذاته عن الحقيقة فلا يكون كالحيوان الأعجم مسوقاً لغيره تتلاعب به الضلالات وتتقاذفه الأوهام. وبعد أن قطع سيدنا إبراهيم عليه السلام مرحلتين من مراحل التفكير في سبيل الوصول إلى الحقيقة. انتهت به الأولى أن له ربّاً عظيماً خلقه وأوجده. وانتهى في الثانية إلى إنكار أن يكون الصنم له ربّاً، انتقل إلى مرحلة ثالثة مرحلة البحث المتواصل والتفكير الذي لا ينقطع في طلب الحق وإجلاء الحقيقة، وقد وصف لنا تعالى هذه المرحلة في كتابه العزيز وصدَّرها بآية كريمة تبيِّن لنا فيها أنَّ الصدق في البحث عن الخالق وأن الشوق الملح والشغف في الوصول إلى الحقيقة سينتهي حتماً بهذا الإنسان المفكِّر وبكل امرئ صار مثله إلى شاطئ الحقيقة وسيوصله إلى بحر المعرفة قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُري إبْرَاهِيم مَلَكُوتَ السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقنِينَ} أي: وبهذا التفكير الذي شغل إبراهيم وبناءً على ما ظهر لنا منه من الصدق فإننا سنريه الحقيقة وسنبلِّغه مراده وكذلك نُري كل صادق مقتف أثره طالب مطلبه. كيف قطع سيدنا إبراهيم عليه السلام خطوات هذه المرحلة: كان جالساً ذات ليلة يفكِّر على جاري عادته، {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيهِ الليلُ}، وستره بظلامه {رَءَا كَوكَباً}: شاهد كوكباً منيراً يتألَّق في السماء فقال في نفسه متسائلاً. ترى هل هذا ربي الذي يمدُّني بالحياة؟. فلمَّا أفل الكوكب وغاب قال لا أحب الآفلين. فما دام هذا الكوكب قد أفل وغاب فلا يمكن أن يكون ربِّي الدائم عليّ فضله والمتتالي إمداده وخيره والذي يجب عليّ أن أحبَّه وتابع سيدنا إبراهيم تفكيره {فَلَمَّا رَءَا القَمَرَ بَازِغاً} مشرقاً بنوره على الكون عاودته الفكرة أيمكن أن يكون هذا القمر ربّه؟. وتساءل في نفسه {قَالَ هَذا رَبِيّ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَمْ يَهْدِني رَبّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالّينَ}. واستمر سيدنا إبراهيم عليه السلام على تفكيره وواصل ليله بنهاره وكذلك شأن كل مشوق وحال كل صادق {فَلَمَّا رَءَا الشَّمسَ بَازِغَةً} وقد عمَّ الأرض نورها: {قَالَ هَذا رَبِي هَذَا أكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ}. أدرك أن ربَّه ليس بالكوكب ولا القمر ولا الشمس فما يمكن لهذه الأجرام الآفلة على عظمتها أن تكون ربّاً، إذ الرب لا يغيب ولا ينقطع نظره عن مخلوقاته ولو أنه انقطع طرفة عين لزالت المخلوقات كلّها وانمحت جميعها ولم يبق لها أثر. ولمَّا استعظم ربَّه هذا الاستعظام اتجه بكل قلبه إليه: {قَالَ يَا قَوْمِ إِني بَريء مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِني وَجَّهتُ وَجْهيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّموات وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} ،وهنالك وفي هذه اللحظة كشف الله له النقاب عن الحقيقة فشاهد عظمة هذا المسيّر لهذا الكون العظيم شهوداً نفسياً ورأى يد الإمداد بالتربية مبسوطة على كل مخلوق من مخلوقاته تعالى وعاين أنَّ قيام السموات والأرض وسير جميع ما فيها من مخلوقات إنَّما هو بيد الله سبحانه وتعالى وإليه وحده تؤول أمور هذا الكون كله فلا يتحرك شيء إلاَّ بإذنه ولا يقع واقع إلاَّ بأمره وحده وهو المسيّر فلا إله غيره ولا مسيِّر سواه. نعم عقل سيدنا إبراهيم عليه السلام ذلك كله وأدركه فما كان منه إلاَّ أن استسلم بكلِّيته إلى الله تعالى ففوَّض أمره وألقى مقاليد نفسه إليه . العبرة من هذه القصة: وأنت ترى من تفصيلات هذه القصة كيف أن الصدق لا بدَّ أن يصل بصاحبه إلى شاطئ الحقيقة والارتشاف من بحار المعرفة والسبح في شهود العظمة والكمال الإلهي فما لهذا الإنسان الضال إذا وقف يوم القيامة على النار عذر يعتذر به أو حجَّة يقدِّمها بين يدي ربه. إذ باستطاعته ما دام الله قد وهبه فكراً وتمييزاً أن يُعمل فكره فيعرف خالقه ويهتدي إليه.
نشأ سيدنا إبراهيم عليه السلام في أمة تعبد الأصنام وكان قومه جميعاً حتى أبوه يتخذون أصناماً آلهةً فلم يجارِ الناس على سيرهم ولم يوافق أباه على ضلاله بل إنه جعل ينظر ويتأمَّل وصار يُفكِّر ويتعمَّق في التفكير فنظر أول ما نظر إلى نفسه وهداه تفكيره المتواصل إلى أنَّ نطفةً من منيٍ يمنى لا يمكن لها بذاتها أن تتحوَّل بعد حين وتصبح مخلوقاً كريماً وإنساناً سوياً ذا سمع وبصر ونطق وشم ووعي وتفكير وله ماله من قلب ورئتين ومعدة وكليتين وكبد وأمعاء إلى غير ذلك من الأجهزة والأعضاء التي يحار في دقة تركيبها وبعظمة صنعها كل ناظر ومتأمل. نعم لقد أوجت إليه هذه الفكرة المتواصلة وهداه هذا التأمل إلى أنَّ له ربّاً عظيماً خلقه ورتَّبه وأحكم صنعه وركَّبه.
وراح سيدنا إبراهيم عليه السلام يبحث عن خالقه ويُفكِّر ليلاً نهاراً جاهداً جادّاً في معرفة ربِّه. ونظر فيما يعكف عليه أبوه وقومه مفكِّراً متسائلاً أيمكن لصنم نحته إنسان بيده أن يكون خالقاً مربياً؟. وهل يستطيع هذا الصنم الذي لا يقوى على أن يمسك ذاته بذاته أن يمسك السموات والأرض وأن يمد ما فيها بالحياة؟. وذلك ما لا يقبله فكر سليم ولا يقرّه عقل ولا منطق صحيح. وهكذا استطاع سيدنا إبراهيم عليه السلام بتفكيره أن يتحرَّر من عقيدة الوثنية التي درج عليها أبوه وقومه من قبل وأن يُخالف البيئة والمجتمع الذي نشأ فيه وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إبْراهِيمُ لأَبيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبينٍ}سورة الأنعام: الآية 74. وإنَّه لخليق بكل إنسان ما دام قد أعطي من التفكير ما أعطيه أبوه وسائر الناس أن يفكِّر كما فكَّر سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأن يبحث بذاته عن الحقيقة فلا يكون كالحيوان الأعجم مسوقاً لغيره تتلاعب به الضلالات وتتقاذفه الأوهام. وبعد أن قطع سيدنا إبراهيم عليه السلام مرحلتين من مراحل التفكير في سبيل الوصول إلى الحقيقة. انتهت به الأولى أن له ربّاً عظيماً خلقه وأوجده. وانتهى في الثانية إلى إنكار أن يكون الصنم له ربّاً، انتقل إلى مرحلة ثالثة مرحلة البحث المتواصل والتفكير الذي لا ينقطع في طلب الحق وإجلاء الحقيقة، وقد وصف لنا تعالى هذه المرحلة في كتابه العزيز وصدَّرها بآية كريمة تبيِّن لنا فيها أنَّ الصدق في البحث عن الخالق وأن الشوق الملح والشغف في الوصول إلى الحقيقة سينتهي حتماً بهذا الإنسان المفكِّر وبكل امرئ صار مثله إلى شاطئ الحقيقة وسيوصله إلى بحر المعرفة قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُري إبْرَاهِيم مَلَكُوتَ السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقنِينَ} أي: وبهذا التفكير الذي شغل إبراهيم وبناءً على ما ظهر لنا منه من الصدق فإننا سنريه الحقيقة وسنبلِّغه مراده وكذلك نُري كل صادق مقتف أثره طالب مطلبه. كيف قطع سيدنا إبراهيم عليه السلام خطوات هذه المرحلة: كان جالساً ذات ليلة يفكِّر على جاري عادته، {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيهِ الليلُ}، وستره بظلامه {رَءَا كَوكَباً}: شاهد كوكباً منيراً يتألَّق في السماء فقال في نفسه متسائلاً. ترى هل هذا ربي الذي يمدُّني بالحياة؟. فلمَّا أفل الكوكب وغاب قال لا أحب الآفلين. فما دام هذا الكوكب قد أفل وغاب فلا يمكن أن يكون ربِّي الدائم عليّ فضله والمتتالي إمداده وخيره والذي يجب عليّ أن أحبَّه وتابع سيدنا إبراهيم تفكيره {فَلَمَّا رَءَا القَمَرَ بَازِغاً} مشرقاً بنوره على الكون عاودته الفكرة أيمكن أن يكون هذا القمر ربّه؟. وتساءل في نفسه {قَالَ هَذا رَبِيّ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَمْ يَهْدِني رَبّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالّينَ}. واستمر سيدنا إبراهيم عليه السلام على تفكيره وواصل ليله بنهاره وكذلك شأن كل مشوق وحال كل صادق {فَلَمَّا رَءَا الشَّمسَ بَازِغَةً} وقد عمَّ الأرض نورها: {قَالَ هَذا رَبِي هَذَا أكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ}. أدرك أن ربَّه ليس بالكوكب ولا القمر ولا الشمس فما يمكن لهذه الأجرام الآفلة على عظمتها أن تكون ربّاً، إذ الرب لا يغيب ولا ينقطع نظره عن مخلوقاته ولو أنه انقطع طرفة عين لزالت المخلوقات كلّها وانمحت جميعها ولم يبق لها أثر. ولمَّا استعظم ربَّه هذا الاستعظام اتجه بكل قلبه إليه: {قَالَ يَا قَوْمِ إِني بَريء مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِني وَجَّهتُ وَجْهيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّموات وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} ،وهنالك وفي هذه اللحظة كشف الله له النقاب عن الحقيقة فشاهد عظمة هذا المسيّر لهذا الكون العظيم شهوداً نفسياً ورأى يد الإمداد بالتربية مبسوطة على كل مخلوق من مخلوقاته تعالى وعاين أنَّ قيام السموات والأرض وسير جميع ما فيها من مخلوقات إنَّما هو بيد الله سبحانه وتعالى وإليه وحده تؤول أمور هذا الكون كله فلا يتحرك شيء إلاَّ بإذنه ولا يقع واقع إلاَّ بأمره وحده وهو المسيّر فلا إله غيره ولا مسيِّر سواه. نعم عقل سيدنا إبراهيم عليه السلام ذلك كله وأدركه فما كان منه إلاَّ أن استسلم بكلِّيته إلى الله تعالى ففوَّض أمره وألقى مقاليد نفسه إليه . العبرة من هذه القصة: وأنت ترى من تفصيلات هذه القصة كيف أن الصدق لا بدَّ أن يصل بصاحبه إلى شاطئ الحقيقة والارتشاف من بحار المعرفة والسبح في شهود العظمة والكمال الإلهي فما لهذا الإنسان الضال إذا وقف يوم القيامة على النار عذر يعتذر به أو حجَّة يقدِّمها بين يدي ربه. إذ باستطاعته ما دام الله قد وهبه فكراً وتمييزاً أن يُعمل فكره فيعرف خالقه ويهتدي إليه.
0
التعليقات:
هو ابن إبراهيم البكر وولد السيدة هاجر، سار إبراهيم بهاجر - بأمر من الله - حتى وضعها وابنها في موضع مكة وتركهما ومعهما قليل من الماء والتمر ولما نفد الزاد جعلت السيدة هاجر تطوف هنا وهناك حتى هداها الله إلى ماء زمزم ووفد عليها كثير من الناس حتى جاء أمر الله لسيدنا إبراهيم ببناء الكعبة ورفع قواعد البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجر وإبراهيم يبني حتى أتما البناء ثم جاء أمر الله بذبح إسماعيل حيث رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه فعرض عليه ذلك فقال "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" ففداه الله بذبح عظيم، كان إسماعيل فارسا فهو أول من استأنس الخيل وكان صبورا حليما، يقال إنه أول من تحدث بالعربية البينة وكان صادق الوعد، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان ينادي بعبادة الله ووحدانيته.
ذكر الله في كتابه الكريم، ثلاث مشاهد من حياة إسماعيل عليه السلام. كل مشهد عبارة عن محنة واختبار لكل من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. أول هذه المشاهد هو أمر الله سبحانه وتعالى لإبراهيم بترك إسماعيل وأمه في واد مقفر، لا ماء فيه ولا طعام. فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا الاستجابة لهذا الأمر الرباني. وهذا بخلاف ما ورد في الإسرائيليات من أن إبراهيم حمل ابنه وزوجته لوادي مكة لأن سارة -زوجة إبراهيم الأولى- اضطرته لذلك من شدة غيرتها من هاجر. فالمتأمل لسيرة إبراهيم عليه السلام، سيجد أنه لم يكن ليتلقّى أوامره من أحد غير الله. أنزل زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهما وسار. أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟
لم يرد عليها سيدنا إبراهيم وظل يسير.. عادت تقول له ما قالته وهو صامت.. أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه.. أدركت أن الله أمره بذلك فسألته: هل الله أمرك بهذا؟ فقال إبراهيم عليه السلام: نعم. قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا. وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو الله:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) (إبراهيم) لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانت هناك حكمة عليا في أمر الله سبحانه لإبراهيم، فقد كان إسماعيل -الطفل الذي تُرِكَ مع أمه في هذا المكان- ووالده من سيكونان المسؤولان بناء الكعبة فيما بعد.. وكانت حكمة الله تقضي أن يسكن أحد في هذا الوادي، لميتد إليه العمران. بعد أن ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء بأيام نفد الماء وانتهى الطعام، وجف لبن الأم.. وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش. بدأ إسماعيل يبكي من العطش.. فتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء.. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا".. فصعدت إليه وراحت تبحث به عن بئر أو إنسان أو قافلة.. لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل "المروة"، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه.. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه.. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين.. سبع مرات وهي تذهب وتعود - ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم العظيم إسماعيل. عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث.. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش. وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم.. وفار الماء من البئر.. أنقذت حياتا الطفل والأم.. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكر الله.. وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة.. صدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا. وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة.. وجذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس.. وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان. كانت هذه هي المحنة الاولى.. أما المحنة الثانية فهي الذبح. كبر إسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب. فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل. وإبراهيم يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي. انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره. أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية. لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره. فكر إبراهيم في ولده.. ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرض ليذبحه.. الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا. هذا أفضل.. انتهى الأمر وذهب إلى ولده (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى). انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ أجاب إسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). تأمل رد الابن.. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده (إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). هو الصبر على أي حال وعلى كل حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله.. ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد استسلام ابنه الصابر. ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير.. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء. عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره، وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم- وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون. صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.خبر زوجة إسماعيل: عاش إسماعيل في شبه الجزيرة العربية ما شاء الله له أن يعيش.. روض الخيل واستأنسها واستخدمها، وساعدت مياه زمزم على سكنى المنطقة وتعميرها. استقرت بها بعض القوافل.. وسكنتها القبائل.. وكبر إسماعيل وتزوج، وزاره إبراهيم فلم يجده في بيته ووجد امرأته.. سألها عن عيشهم وحالهم، فشكت إليه من الضيق والشدة.قال لها إبراهيم: إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه.. فلما جاء إسماعيل، ووصفت له زوجته الرجل.. قال: هذا أبي وهو يأمرني بفراقك.. الحقي بأهلك.وتزوج إسماعيل امرأة ثانية.. زارها إبراهيم، يسألها عن حالها، فحدثته أنهم في نعمة وخير.. وطاب صدر إبراهيم بهذه الزوجة لابنه.وها نحن الآن أمام الاختبار الثالث.. اختبار لا يمس إبراهيم وإسماعيل فقط. بل يمس ملايين البشر من بعدهم إلى يوم القيامة.. إنها مهمة أوكلها الله تعالى لهذين النبيين الكريمين.. مهمة بناء بيت الله تعالى في الأرض.
كبر إسماعيل.. وبلغ أشده.. وجاءه إبراهيم وقال له: يا إسماعيل.. إن الله أمرني بأمر. قال إسماعيل: فاصنع ما أمرك به ربك.. قال إبراهيم: وتعينني؟ قال: وأعينك. فقال إبراهيم: فإن الله أمرني أن ابني هنا بيتا. أشار بيده لصحن منخفض هناك.
صدر الأمر ببناء بيت الله الحرام.. هو أول بيت وضع للناس في الأرض.. وهو أول بيت عبد فيه الإنسان ربه.. ولما كان آدم هو أول إنسان هبط إلى الأرض.. فإليه يرجع فضل بنائه أول مرة.. قال العلماء: إن آدم بناه وراح يطوف حوله مثلما يطوف الملائكة حول عرش الله تعالى. بنى آدم خيمة يعبد فيها الله.. شيء طبيعي أن يبني آدم -بوصفه نبيا- بيتا لعبادة ربه.. وحفت الرحمة بهذا المكان.. ثم مات آدم ومرت القرون، وطال عليه العهد فضاع أثر البيت وخفي مكانه.. وها هو ذا إبراهيم يتلقى الأمر ببنائه مرة ثانية.. ليظل في المرة الثانية قائما إلى يوم القيامة إن شاء الله. وبدأ بناء الكعبة..هدمت الكعبة في التاريخ أكثر من مرة، وكان بناؤها يعاد في كل مرة.. فهي باقية منذ عهد إبراهيم إلى اليوم.. وحين بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تحقيقا لدعوة إبراهيم.. وجد الرسول الكعبة حيث بنيت آخر مرة، وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر أساسها كما حفره إبراهيم. نفهم من هذا إن إبراهيم وإسماعيل بذلا فيها وحدهما جهدا استحالت -بعد ذلك- محاكاته على عدد كبير من الرجال.. ولقد صرح الرسول بأنه يحب هدمها وإعادتها إلى أساس إبراهيم، لولا قرب عهد القوم بالجاهلية، وخشيته أن يفتن الناس هدمها وبناؤها من جديد.. بناؤها بحيث تصل إلى قواعد إبراهيم وإسماعيل. أي جهد شاق بذله النبيان الكريمان وحدهما؟ كان عليهما حفر الأساس لعمق غائر في الأرض، وكان عليهما قطع الحجارة من الجبال البعيدة والقريبة، ونقلها بعد ذلك، وتسويتها، وبناؤها وتعليتها.. وكان الأمر يستوجب جهد جيل من الرجال، ولكنهما بنياها معا.
لا نعرف كم هو الوقت الذي استغرقه بناء الكعبة، كما نجهل الوقت الذي استغرقه بناء سفينة نوح، المهم أن سفينة نوح والكعبة كانتا معا ملاذا للناس ومثوبة وأمنا.. والكعبة هي سفينة نوح الثابتة على الأرض أبدا.. وهي تنتظر الراغبين في النجاة من هول الطوفان دائما. لم يحدثنا الله عن زمن بناء الكعبة.. حدثنا عن أمر أخطر وأجدى.. حدثنا عن تجرد نفسية من كان يبنيها.. ودعائه وهو يبنيها:
إن أعظم مسلمين على وجه الأرض يومها يدعوان الله أن يتقبل عملهما، وأن يجعلهما مسلمين له.. يعرفان أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن. وتبلغ الرحمة بهما أن يسألا الله أن يخرج من ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه.. يريدان أن يزيد عدد العابدين الموجودين والطائفين والركع السجود. إن دعوة إبراهيم وإسماعيل تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن.. إنه يبني لله بيته، ومع هذا يشغله أمر العقيدة.. ذلك إيحاء بأن البيت رمز العقيدة. ثم يدعوان الله أن يريهم أسلوب العبادة الذي يرضاه، وأن يتوب عليهم فهو التواب الرحيم. بعدها يتجاوز اهتمامها هذا الزمن الذي يعيشان فيه.. يجاوزانه ويدعوان الله أن يبث رسولا لهؤلاء البشر. وتحققت هذه الدعوة الأخيرة.. حين بعث محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم.. تحققت بعد أزمنة وأزمنة. انتهى بناء البيت، وأراد إبراهيم حجرا مميزا، يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول الكعبة.. أمر إبراهيم إسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارة الكعبة.
سار إسماعيل ملبيا أمر والده.. حين عاد، كان إبراهيم قد وضع الحجر الأسود في مكانه.. فسأله إسماعيل: من الذي أحضره إليك يا أبت؟ فأجاب إبراهيم: أحضره جبريل عليه السلام. انتهى بناء الكعبة.. وبدأ طواف الموحدين والمسلمين حولها.. ووقف إبراهيم يدعو ربه نفس دعائه من قبل.. أن يجعل أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلى المكان.. انظر إلى التعبير.. إن الهوى يصور انحدارا لا يقاوم نحو شيء.. وقمة ذلك هوى الكعبة. من هذه الدعوة ولد الهوى العميق في نفوس المسلمين، رغبة في زيارة البيت الحرام.
وصار كل من يزور المسجد الحرام ويعود إلى بلده.. يحس أنه يزداد عطشا كلما ازداد ريا منه، ويعمق حنينه إليه كلما بعد منه، وتجيء أوقات الحج في كل عام.. فينشب الهوى الغامض أظافره في القلب نزوعا إلى رؤية البيت، وعطشا إلى بئر زمزم.
هو ابن إبراهيم البكر وولد السيدة هاجر، سار إبراهيم بهاجر - بأمر من الله - حتى وضعها وابنها في موضع مكة وتركهما ومعهما قليل من الماء والتمر ولما نفد الزاد جعلت السيدة هاجر تطوف هنا وهناك حتى هداها الله إلى ماء زمزم ووفد عليها كثير من الناس حتى جاء أمر الله لسيدنا إبراهيم ببناء الكعبة ورفع قواعد البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجر وإبراهيم يبني حتى أتما البناء ثم جاء أمر الله بذبح إسماعيل حيث رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه فعرض عليه ذلك فقال "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" ففداه الله بذبح عظيم، كان إسماعيل فارسا فهو أول من استأنس الخيل وكان صبورا حليما، يقال إنه أول من تحدث بالعربية البينة وكان صادق الوعد، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان ينادي بعبادة الله ووحدانيته.
ذكر الله في كتابه الكريم، ثلاث مشاهد من حياة إسماعيل عليه السلام. كل مشهد عبارة عن محنة واختبار لكل من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. أول هذه المشاهد هو أمر الله سبحانه وتعالى لإبراهيم بترك إسماعيل وأمه في واد مقفر، لا ماء فيه ولا طعام. فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا الاستجابة لهذا الأمر الرباني. وهذا بخلاف ما ورد في الإسرائيليات من أن إبراهيم حمل ابنه وزوجته لوادي مكة لأن سارة -زوجة إبراهيم الأولى- اضطرته لذلك من شدة غيرتها من هاجر. فالمتأمل لسيرة إبراهيم عليه السلام، سيجد أنه لم يكن ليتلقّى أوامره من أحد غير الله. أنزل زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهما وسار. أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟
لم يرد عليها سيدنا إبراهيم وظل يسير.. عادت تقول له ما قالته وهو صامت.. أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه.. أدركت أن الله أمره بذلك فسألته: هل الله أمرك بهذا؟ فقال إبراهيم عليه السلام: نعم. قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا. وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو الله:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) (إبراهيم) لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانت هناك حكمة عليا في أمر الله سبحانه لإبراهيم، فقد كان إسماعيل -الطفل الذي تُرِكَ مع أمه في هذا المكان- ووالده من سيكونان المسؤولان بناء الكعبة فيما بعد.. وكانت حكمة الله تقضي أن يسكن أحد في هذا الوادي، لميتد إليه العمران. بعد أن ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء بأيام نفد الماء وانتهى الطعام، وجف لبن الأم.. وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش. بدأ إسماعيل يبكي من العطش.. فتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء.. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا".. فصعدت إليه وراحت تبحث به عن بئر أو إنسان أو قافلة.. لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل "المروة"، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه.. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه.. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين.. سبع مرات وهي تذهب وتعود - ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم العظيم إسماعيل. عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث.. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش. وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم.. وفار الماء من البئر.. أنقذت حياتا الطفل والأم.. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكر الله.. وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة.. صدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا. وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة.. وجذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس.. وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان. كانت هذه هي المحنة الاولى.. أما المحنة الثانية فهي الذبح. كبر إسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب. فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل. وإبراهيم يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي. انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره. أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية. لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره. فكر إبراهيم في ولده.. ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرض ليذبحه.. الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا. هذا أفضل.. انتهى الأمر وذهب إلى ولده (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى). انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ أجاب إسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). تأمل رد الابن.. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده (إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). هو الصبر على أي حال وعلى كل حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله.. ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد استسلام ابنه الصابر. ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير.. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء. عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره، وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم- وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون. صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.خبر زوجة إسماعيل: عاش إسماعيل في شبه الجزيرة العربية ما شاء الله له أن يعيش.. روض الخيل واستأنسها واستخدمها، وساعدت مياه زمزم على سكنى المنطقة وتعميرها. استقرت بها بعض القوافل.. وسكنتها القبائل.. وكبر إسماعيل وتزوج، وزاره إبراهيم فلم يجده في بيته ووجد امرأته.. سألها عن عيشهم وحالهم، فشكت إليه من الضيق والشدة.قال لها إبراهيم: إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه.. فلما جاء إسماعيل، ووصفت له زوجته الرجل.. قال: هذا أبي وهو يأمرني بفراقك.. الحقي بأهلك.وتزوج إسماعيل امرأة ثانية.. زارها إبراهيم، يسألها عن حالها، فحدثته أنهم في نعمة وخير.. وطاب صدر إبراهيم بهذه الزوجة لابنه.وها نحن الآن أمام الاختبار الثالث.. اختبار لا يمس إبراهيم وإسماعيل فقط. بل يمس ملايين البشر من بعدهم إلى يوم القيامة.. إنها مهمة أوكلها الله تعالى لهذين النبيين الكريمين.. مهمة بناء بيت الله تعالى في الأرض.
كبر إسماعيل.. وبلغ أشده.. وجاءه إبراهيم وقال له: يا إسماعيل.. إن الله أمرني بأمر. قال إسماعيل: فاصنع ما أمرك به ربك.. قال إبراهيم: وتعينني؟ قال: وأعينك. فقال إبراهيم: فإن الله أمرني أن ابني هنا بيتا. أشار بيده لصحن منخفض هناك.
صدر الأمر ببناء بيت الله الحرام.. هو أول بيت وضع للناس في الأرض.. وهو أول بيت عبد فيه الإنسان ربه.. ولما كان آدم هو أول إنسان هبط إلى الأرض.. فإليه يرجع فضل بنائه أول مرة.. قال العلماء: إن آدم بناه وراح يطوف حوله مثلما يطوف الملائكة حول عرش الله تعالى. بنى آدم خيمة يعبد فيها الله.. شيء طبيعي أن يبني آدم -بوصفه نبيا- بيتا لعبادة ربه.. وحفت الرحمة بهذا المكان.. ثم مات آدم ومرت القرون، وطال عليه العهد فضاع أثر البيت وخفي مكانه.. وها هو ذا إبراهيم يتلقى الأمر ببنائه مرة ثانية.. ليظل في المرة الثانية قائما إلى يوم القيامة إن شاء الله. وبدأ بناء الكعبة..هدمت الكعبة في التاريخ أكثر من مرة، وكان بناؤها يعاد في كل مرة.. فهي باقية منذ عهد إبراهيم إلى اليوم.. وحين بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تحقيقا لدعوة إبراهيم.. وجد الرسول الكعبة حيث بنيت آخر مرة، وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر أساسها كما حفره إبراهيم. نفهم من هذا إن إبراهيم وإسماعيل بذلا فيها وحدهما جهدا استحالت -بعد ذلك- محاكاته على عدد كبير من الرجال.. ولقد صرح الرسول بأنه يحب هدمها وإعادتها إلى أساس إبراهيم، لولا قرب عهد القوم بالجاهلية، وخشيته أن يفتن الناس هدمها وبناؤها من جديد.. بناؤها بحيث تصل إلى قواعد إبراهيم وإسماعيل. أي جهد شاق بذله النبيان الكريمان وحدهما؟ كان عليهما حفر الأساس لعمق غائر في الأرض، وكان عليهما قطع الحجارة من الجبال البعيدة والقريبة، ونقلها بعد ذلك، وتسويتها، وبناؤها وتعليتها.. وكان الأمر يستوجب جهد جيل من الرجال، ولكنهما بنياها معا.
لا نعرف كم هو الوقت الذي استغرقه بناء الكعبة، كما نجهل الوقت الذي استغرقه بناء سفينة نوح، المهم أن سفينة نوح والكعبة كانتا معا ملاذا للناس ومثوبة وأمنا.. والكعبة هي سفينة نوح الثابتة على الأرض أبدا.. وهي تنتظر الراغبين في النجاة من هول الطوفان دائما. لم يحدثنا الله عن زمن بناء الكعبة.. حدثنا عن أمر أخطر وأجدى.. حدثنا عن تجرد نفسية من كان يبنيها.. ودعائه وهو يبنيها:
إن أعظم مسلمين على وجه الأرض يومها يدعوان الله أن يتقبل عملهما، وأن يجعلهما مسلمين له.. يعرفان أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن. وتبلغ الرحمة بهما أن يسألا الله أن يخرج من ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه.. يريدان أن يزيد عدد العابدين الموجودين والطائفين والركع السجود. إن دعوة إبراهيم وإسماعيل تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن.. إنه يبني لله بيته، ومع هذا يشغله أمر العقيدة.. ذلك إيحاء بأن البيت رمز العقيدة. ثم يدعوان الله أن يريهم أسلوب العبادة الذي يرضاه، وأن يتوب عليهم فهو التواب الرحيم. بعدها يتجاوز اهتمامها هذا الزمن الذي يعيشان فيه.. يجاوزانه ويدعوان الله أن يبث رسولا لهؤلاء البشر. وتحققت هذه الدعوة الأخيرة.. حين بعث محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم.. تحققت بعد أزمنة وأزمنة. انتهى بناء البيت، وأراد إبراهيم حجرا مميزا، يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول الكعبة.. أمر إبراهيم إسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارة الكعبة.
سار إسماعيل ملبيا أمر والده.. حين عاد، كان إبراهيم قد وضع الحجر الأسود في مكانه.. فسأله إسماعيل: من الذي أحضره إليك يا أبت؟ فأجاب إبراهيم: أحضره جبريل عليه السلام. انتهى بناء الكعبة.. وبدأ طواف الموحدين والمسلمين حولها.. ووقف إبراهيم يدعو ربه نفس دعائه من قبل.. أن يجعل أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلى المكان.. انظر إلى التعبير.. إن الهوى يصور انحدارا لا يقاوم نحو شيء.. وقمة ذلك هوى الكعبة. من هذه الدعوة ولد الهوى العميق في نفوس المسلمين، رغبة في زيارة البيت الحرام.
وصار كل من يزور المسجد الحرام ويعود إلى بلده.. يحس أنه يزداد عطشا كلما ازداد ريا منه، ويعمق حنينه إليه كلما بعد منه، وتجيء أوقات الحج في كل عام.. فينشب الهوى الغامض أظافره في القلب نزوعا إلى رؤية البيت، وعطشا إلى بئر زمزم.
0
التعليقات:
البشر كُلُّهم في كلِّ مكانٍ وزمانٍ من أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدةٍ ، هما "آدم" و"حواء"
ولم يكن "آدم"ـ عليه السلام ـ هو أوَّل مخلوق خلقه الله - تعالى- ، فقد خلق الله -تعالى- قبله السماوات والأرض وخلق الملائكة والجن ، وقد خلقالله - تعالى- الملائكة من نورٍ،وخلق الجن من النار، أمَّا "آدم" فقد خلقه الله من طين، ثم سواه بيده، ونفخ فيه من روحه؛فصار بشرًا حيًّا.وأمر الله -تعالى- الملائكة بالسجود لآدم؛ تكريمًا له،وإظهارًا لما اختصه الله به من الفضل, فسجدت له الملائكة جميعًا إلا "إبليس" الذي امتلأ قلبه بالغيرة والحسد لآدم على تلك المكانة والمنزلة الرفيعة التي لم ينلها أحدٌ غيره، فأخذه
الغرور والكبر، ورفض السجود لآدم، وراح يجادل ربه، وقال في كبرٍ وغرورٍ متحديًا أمر الله تعالى :" َأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا " (الإسراء 61)وراح يعلل رفضه السجود مفتخرًا متعاليًا :" أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ "(الأعراف 12 )
كان "إبليس" أول من عصى الله، وتمرَّد عليه ، وتملكه الكبر والغرور، ونسي أن ما يتباهى به هو نعمة من الله عليه، وأنه هو نفسه من صنع الله وأحد مخلوقاته العديدة التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى؛ فكان جزاؤه أن طرده الله من الجنة.
لكن "إبليس" لم يعتبر بما حدث له ، وإنما استمرَّ على عناده وتكبره وامتلأ قلبه بالحقد على "آدم" والحسد له ، فأراد أن يغوي "آدم" ويضله، ويدفعه إلى المعصية فيتعرَّض لغضب الله تعالى.
طلب"إبليس"من الله-تعالى- أن يمهله , فأمهله الله - تعالى- إلى يوم القيامة.
وأسكن الله - تعالى- "آدم" ـ عليه السلام ـ في الجنة، بعد أن خلق له زوجته "حواء"من أحد أضلاعه؛ لتؤنسه في حياته فلا يعيش وحيدًا في تلك الجنَّة العظيمة، وأباح الله لهما كل ثمار الجنة، يأكلان منها كيف شاءا، لكن الله حذرهما من الاقتراب من شجرة معينة حدَّدَها لهما، وحرم عليهما أن يتناولا شيئًا من ثمارها، حتَّى لا يتعرضا لغضب الله وعقابه.
و وجد "إبليس" أن الفرصة قد أصبحت سانحة له لتحقيق هدفه، فسعى إلى غواية "آدم" -عليه السلام- وزوجته "حواء"، فراح يتقرَّب إليهما، ويتصنع النصح والإخلاص لهما،وأخذ يوسوس إليهما في مكرٍ، ويحاول إغرائهما في دهاءٍ، ثم أقسم لهما أنه ناصح أمين، وقال:
اسـتطاع "إبليس" بمكـره ودهـائه أن يغري "آدم" و "حـواء" بالأكل من تلك الشجرة المحرمة، حتى ضعفت إرادتهما أمام إغرائه وإلحاحه ووسوسته، فاستجابا له في النهاية؛ فأكل "آدم" وزوجته من الشجرة التي نهاهما الله عنها، فكانت تلك المعصية سببا في خروجهما من الجنة و نزولهما إلى الأرض
لم يكـن "إبليس" ليدع "آدم" لينعم بالأمن والسـلام على الأرض، فقد كانت تلك هي البداية .
أراد "إبليس" أن يدفع البشر جميعًا من أبناء "آدم" وذريَّته إلى المعصية، وأن يشعل بينهم العداوة والبغضاء، فراح يوسوس لأبناء "آدم" حتى استطاع أن يوقع الفتنة بينهم، وتمكن من إشعال نار العداوة والشقاق بين ابني "آدم" : "قابيل" و"هابيل".
البشر كُلُّهم في كلِّ مكانٍ وزمانٍ من أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدةٍ ، هما "آدم" و"حواء"
ولم يكن "آدم"ـ عليه السلام ـ هو أوَّل مخلوق خلقه الله - تعالى- ، فقد خلق الله -تعالى- قبله السماوات والأرض وخلق الملائكة والجن ، وقد خلقالله - تعالى- الملائكة من نورٍ،وخلق الجن من النار، أمَّا "آدم" فقد خلقه الله من طين، ثم سواه بيده، ونفخ فيه من روحه؛فصار بشرًا حيًّا.وأمر الله -تعالى- الملائكة بالسجود لآدم؛ تكريمًا له،وإظهارًا لما اختصه الله به من الفضل, فسجدت له الملائكة جميعًا إلا "إبليس" الذي امتلأ قلبه بالغيرة والحسد لآدم على تلك المكانة والمنزلة الرفيعة التي لم ينلها أحدٌ غيره، فأخذه
الغرور والكبر، ورفض السجود لآدم، وراح يجادل ربه، وقال في كبرٍ وغرورٍ متحديًا أمر الله تعالى :" َأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا " (الإسراء 61)وراح يعلل رفضه السجود مفتخرًا متعاليًا :" أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ "(الأعراف 12 )
كان "إبليس" أول من عصى الله، وتمرَّد عليه ، وتملكه الكبر والغرور، ونسي أن ما يتباهى به هو نعمة من الله عليه، وأنه هو نفسه من صنع الله وأحد مخلوقاته العديدة التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى؛ فكان جزاؤه أن طرده الله من الجنة.
لكن "إبليس" لم يعتبر بما حدث له ، وإنما استمرَّ على عناده وتكبره وامتلأ قلبه بالحقد على "آدم" والحسد له ، فأراد أن يغوي "آدم" ويضله، ويدفعه إلى المعصية فيتعرَّض لغضب الله تعالى.
طلب"إبليس"من الله-تعالى- أن يمهله , فأمهله الله - تعالى- إلى يوم القيامة.
وأسكن الله - تعالى- "آدم" ـ عليه السلام ـ في الجنة، بعد أن خلق له زوجته "حواء"من أحد أضلاعه؛ لتؤنسه في حياته فلا يعيش وحيدًا في تلك الجنَّة العظيمة، وأباح الله لهما كل ثمار الجنة، يأكلان منها كيف شاءا، لكن الله حذرهما من الاقتراب من شجرة معينة حدَّدَها لهما، وحرم عليهما أن يتناولا شيئًا من ثمارها، حتَّى لا يتعرضا لغضب الله وعقابه.
و وجد "إبليس" أن الفرصة قد أصبحت سانحة له لتحقيق هدفه، فسعى إلى غواية "آدم" -عليه السلام- وزوجته "حواء"، فراح يتقرَّب إليهما، ويتصنع النصح والإخلاص لهما،وأخذ يوسوس إليهما في مكرٍ، ويحاول إغرائهما في دهاءٍ، ثم أقسم لهما أنه ناصح أمين، وقال:
اسـتطاع "إبليس" بمكـره ودهـائه أن يغري "آدم" و "حـواء" بالأكل من تلك الشجرة المحرمة، حتى ضعفت إرادتهما أمام إغرائه وإلحاحه ووسوسته، فاستجابا له في النهاية؛ فأكل "آدم" وزوجته من الشجرة التي نهاهما الله عنها، فكانت تلك المعصية سببا في خروجهما من الجنة و نزولهما إلى الأرض
لم يكـن "إبليس" ليدع "آدم" لينعم بالأمن والسـلام على الأرض، فقد كانت تلك هي البداية .
أراد "إبليس" أن يدفع البشر جميعًا من أبناء "آدم" وذريَّته إلى المعصية، وأن يشعل بينهم العداوة والبغضاء، فراح يوسوس لأبناء "آدم" حتى استطاع أن يوقع الفتنة بينهم، وتمكن من إشعال نار العداوة والشقاق بين ابني "آدم" : "قابيل" و"هابيل".
0 التعليقات: